مقومات التفاؤل
وللتفاؤل مقومات لا تستقيم حياة الشخص من دونها؛ فإذا فقدها تحول إلى شخص عابس متشائم، ينظر للحياة من سم الخياط ولا يرى أملاً في شيء.
ومن هذه المقومات:
1- استشعار معية الله: فكيف يتشاءم المسلم وهو في معية ربه الذي يطمئنه بآيات القرآن الكريم {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ}.
وكيف يتشاءم وهو مؤمن بقوله صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)؛ فهو حاصد للحسنات في السراء بالشكر وفي الضراء بالصبر.
2- حسن الظن بالله: الذي يجعل الإنسان في طمئنينة وتفاؤل مستمر لما رسخ في قلبه من يقين بالله عز وجل وحسن توكل عليه سبحانه ، ونجد البعض يتساءلون عندما يرون شخصًا متفائلاً كيف له أن يكون كذلك في ظل واقع مرير!.
ويأتي الرد: نعم.. هذا هو منهج نبي الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد كان في أشد الأزمات أكثر الناس تفاؤلاً صلى الله عليه وسلم ،وهي كذلك قضية عقائدية؛ ففي الحديث القدسي يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء".
3- الأخذ بالأسباب: على المرء أن يسعى وليس عليه أن يدرك النتائج، فبين الأخذ بالأسباب والنجاح علاقة طردية؛ والنتائج الكبيرة العظيمة مرتبطة بسعي كبير، ومن الواضح أن حياة الفرد هي علاقة بينه وبين ربه؛ فعليه أن يسعى ومن الله التوفيق؛ فهذا الطير يخرج خماصا ويعود بطانا، لكنه أدرك حقيقة السعي والمبادرة، والذي خلقه وتكفل به قادر على أن يجمع بينه وبين رزقه.
والله سبحانه وتعالى تكفل بالبشر كلهم وهو خالقهم.. صالحهم وعاصيهم، مؤمنهم وكافرهم {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ}.. هذا هو رد الله على خليله إبراهيم عليه السلام أن الرزق للجميع مؤمنهم وكافرهم لأنه أمر تكفل به الله سبحانه وتعالى، ويبقى على الإنسان حسن الاستخلاف في الأرض، وحمل الأمانة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} هكذا وعد الله سبحانه وتعالى الساعي إليه راغبا في طاعته أن يهديه إلى سواء السبيل.
4- الصبر: إن الصبر على البلاء صفة العقلاء الذين يعلمون أن البلاء محنة يمر بها الناس جميعاً؛ فما من بشر مؤمناً كان أو كافراً إلا ويموت له حبيب أو قريب لكن.. لمن الأجر؟ إنه للصابر المؤمن.
وما أسعد الصابرين الذين تخاطبهم الملائكة قائلة {سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}.
وما أروع أن يبشر الله سبحانه وتعالى الصابرين بقوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
والبلاء أمر طبيعي لكن الصبر هو أول علاج البلاء، ثم محاولة تغييره للأحسن، والله سبحانه وتعالى يعلمنا في كتابه العزيز: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}، وفي آخر سورة آل عمران التي تحدثت عن غزوة أحد التي منيَ المسلمون فيها بالهزيمة جاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون}.
وليس البلاء معناه النهاية كما يظن البعض؛ وكما يسيطر على بعض العقول المتشائمة؛ فالله سبحانه وتعالى يحذرنا من أن يستخفنا الذين لا يوقنون: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ}.
وقد قيل: "اليأس والإحباط بضاعة فاسدة، تصدر من قلوب كاسدة، في الخير زاهدة".
يتبع...بالتفاؤل سُنة نبوية