الأغواط ..قصر ''تامدة''••• جذور تاريخية عميقة وآفاق سياحية واعدة
يعتبر قصر ''تامدة'' بموقعه الطبيعي الخلاب وتوسطه السهول والجبال وامتداده في أعماق تاريخ منطقة الأغواط، وكذا ارتباطه بكرامة الأولياء الصالحين، فضاء مقدسا للزائرين والمتبركين وموقعا مؤهلا ليتحول إلى قطب سياحي· يقع القصر على بعد 9 كيلومترات من مقر بلدية قلتة سيدي سعد، التي تبعد بدورها بـ140كلم عن عاصمة الولاية الأغواط، من الجهة الشمالية المتاخمة لولاية تيارت، ويؤدي إليه طريق غير معبّد لكنه صالح للاستعمال· وتشير مصادر تاريخية أن قصر ''تامدة'' شيّد على هضبة عالية تشرف على السهول المحاذية لها، وهو بهذا الموقع تحول إلى ''عين ساهرة'' آنذاك ترصد كل حركة وتستجلي كل الوافدين· ولعل في اختيار هذا المرتفع المطل على الحقول من طرف مؤسسيه، حسب ذات المصادر، ما يوحي بأن القصر كانت له مهام برج حراسة متقدم أو نقطة حدودية أقيمت للمراقبة·
ووفق ذات المصادر دائما، فقد بني هذا القصر في القرن السابع عشر للميلاد، وقد زاره سلطان المغرب الأقصى في ذلك الوقت مولاي إسماعيل، وظل شامخا إلى أن هاجمه الأتراك سنة 5871 م بقيادة باي معسكر·
وتتعدد التفسيرات في تحديد أصل تسمية هذا القصر بـ''تامدة''؛ فهناك من الباحثين المهتمين بتاريخ المنطقة من يرجعه إلى الشرح اللغوي للكلمة المستوحاة من فعل ''تمدد''، بمعنى انبطح، كون المكان كان مسرحا للعديد من المعارك والحروب عبر مختلف الحقب الزمنية المتعاقبة، وهناك من استند إلى الاشتقاق البربري للكلمة الذي يعني الأحواض والسهول الشاسعة، وهو ما يتناسب مع طبيعة موقع القصر· وذكر المؤرخ الفرنسي (ليتيليو) في كتابه واحة صحراوية الذي خصصه لدراسة بعض المدن الصحراوية، بأنه يرجح أن الرستميين هم الذين شيّدوا هذا القصر العريق خلال فترة حكمهم الممتد بين سنتي 144م ـ761م تاريخ تأسيس مدينة تيهرت إلى 295م ـ 909م تاريخ سقوط الدولة الرستمية·
ويتبوأ قصر ''تامدة'' واسطة العقد بين قصور لم يبق منها إلا الأطلال وبعض الشواهد، حيث ما زالت تحافظ على آثار وبقايا منازل تصلح للدراسة واستخلاص النتائج التاريخية المفيدة في صياغة أبعاد حضارية عربية إسلامية عرفتها الجهة في فترة ما· وأكد الشيخ مبارك بن محمد الميلي في كتابه ''تاريخ الجزائر القديم والحديث'' والشيخ عبد الرحمان الجيلإلي في كتابه ''تاريخ الجزائر العام'' الجزء الأول أن هذا ''الخط المتكسر من القصور يشكل فعلا حدا فاصلا ين الدولة الرستمية وقبائل بني راشد التي تقطن جبل عمور''· وتذكر ذات المصادر التاريخية بأن قصر ''تامدة'' ظل آهلا بسكانه إلى أن سعى محمد الكبير باي معسكر في خرابه أثناء حملته على مدينة الأغواط في شتاء 1785· ولم يكن قصر ''تامدة'' الوحيد الذي تعرّض للخراب أثناء زحف القائد التركي، وهو ما تُجمع عليه بعض المراجع التي تشير إلى تعرّض الكثير من القصور العريقة للدمار بمنطقة جبل لعمور· ولازال قصر ''تامدة'' يحظى بقدسية متميزة لدى أهله من السكان المحليين الذين يكوّنون عرشا واحدا، وهو عرش لعجالات الذي يحظى بدوره بمكانة متميزة في منطقة جبل لعمور عموما·
ويمكن لهذا المعلم الأثري والتاريخي الذي يتوفرعلى إمكانيات تؤهله لأن يكون محل استثمار سياحي رائد، وقد قام مؤخرا فريق مكون من باحثين ومكتب دراسات متخصص موفد من طرف وزارة تهيئة الأقليم والبيئة والسياحة بمعاينة المكان وإعداد دراسة لبحث سبل ترميمه، حتى يسترجع مكانته التاريخية اللائقة ويساهم في جلب مداخيل إضافية لهذه المنطقة·