الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وهديه
الوسيلة الرابعة من وسائل العلاج: هي الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله تبارك وتعالى أسوة وقدوة للمؤمنين الذين يرغبون أن يردوا حوضه، ويرغبون أن يحشروا في زمرته، ويرغبون أن يكونوا من جلسائه في جنات النعيم، ويرغبون أن تشملهم شفاعته يوم الدين، فكيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأشياء؟ 1- في الإيمانيات: انظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قضايا الاعتقاد والإيمانيات، أعطاهم الدين يسيراً واضحاً لا تعقيد فيه ولا إشكال، وبين لهم أسماء الله عز وجل وصفاته وأفعاله، وحين جاء الصحابة يشتكون إليه ما يجدون من وسوسة الشيطان، هون الموضوع عليهم صلى الله عليه وسلم، فقال لهم كما في صحيح مسلم: {هل وجدتموه قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة} فبين لهم أن ما أصابهم هو بسبب إيمانهم؛ لأن الشيطان إنما يوسوس في القلب الذي فيه إيمان، واللص لا يتسور البيت الخرب، وإنما يتسور البيت المليء بالحلي والذهب، فهذا الوسواس وشعور المؤمن بكراهيته وخوفه منه هو دليل على الإيمان، لكن عليه أن يعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في الحديث الآخر الصحيح: {فليستعذ بالله ولينته} وهو في الصحيحين، وحين ذكر أبو هريرة رضي الله عنه كما في الصحيح: {أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن الشيطان لا يزال يسألكم مَنْ خلق كذا، مَنْ خلق كذا، حتى يقول: مَنْ خلق الله، فليقل الإنسان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم} وفي حديث صحيح {أنه أمره بقراءة قل هو الله أحد}. إذاً: القضية سهلة وميسرة وهي أن عليك أن تغفل هذا الأمر ولا تعيره اهتماماً، اقرأ هذه الأدعية والأذكار وتحصن من الشيطان، وادع الله عز وجل ولا تكترث بهذا الأمر، فكثرة تفكيرك به وحرصك الشديد المبالغ فيه على مدافعته يجعل الأمر يزيد وينتشر في قلبك، فإن الشيطان مثل الكلب، إذا التفتَّ إليه ودافعته فإنه ينبحك ويركض وراءك، فإذا أعرضت عنه نبح مرة أو مرتين ثم ذهب وتركك. هذا جانب من هديه صلى الله عليه وسلم في الإيمانيات. 2- في قضايا المياه: تأمل هديه صلى الله عليه وسلم في قضايا المياه كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر في شرقي المدينة يلقى فيها النتن والحيض ولحوم الكلاب، فقالوا: يا رسول الله! إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها النتن، والحيض، ولحوم الكلاب، فقال صلى الله عليه وسلم: {الماء طهور لا ينجسه شيء} والحديث رواه أصحاب السنن والإمام أحمد وغيرهم، وصححه أحمد، ويحي بن معين، والترمذي، وغيرهم، فهو حديث صحيح، فلا وسع الله على من لم يسعه هدي محمد صلى الله عليه وسلم: {الماء طهور لا ينجسه شيء}. وكان من هديه أن يتوضأ بكل ماء إلا أن يظهر على هذا الماء أثر نجاسة بلونه أو طعمه أو ريحه، توضأ من قصعة فيها من اثر العجين، وكان صلى الله عليه وسلم يتوضأ من الحياض، والمقالي التي تردها السباع والدواب في الصحراء، فقال بعض الصحابة، لعله عمر بن الخطاب أو غيره بحسب الروايات: {يا صاحب المقراة! أخبرنا عن مقراتك تردها السباع، أم لا، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تخبره، لها ما حملت في بطونها، ولنا ما بقي شراب وطهور} والحديث صح عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري في السنن وغيرها، وقيل له كما في حديث جابر: {يا رسول الله! أنتوضأ بما أفضلت الحمر، قال: نعم، وبما أفضلت السباع كلها} رواه الدارقطني، والبيهقي بأسانيد إذا ضم بعضها إلى بعض أصبحت قوية كما يقول البيهقي. وفي حديث عائشة عند الطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم: {جيء له بماء يتوضأ، فأقبلت الهرة فأصغى لها الإناء لتشرب ثم توضأ بفضلها}. هذا هديه صلى الله عليه وسلم في المياه، ما تنطّع وما تشدّد على نفسه، ولا ذهب ليسأل هل هذا الماء طاهر أو نجس أو ما أشبه ذلك، ثم كان يتوضأ بالماء القليل، فكان يتوضأ بالمد، ويغتسل بالصاع، والمد هو قدر راحة الإنسان المتوسط مبسوطتين، -كما يقول صاحب القاموس وغيره- يتوضأ بقدر ما يملأ راحتيك إذا مددتهما وبسطتهما وملأتهما بالماء، ويغتسل بالصاع: وهو أربعة أمداد بل يغتسل بما دون ذلك، ففي صحيح مسلم من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يغتسل معها بإناء يسع ثلاثة أمداد أو نحو ذلك، وكان يغتسل مع زوجاته، مع عائشة، وأم سلمة، كما في الصحيحين ويغتسل بفضل ميمونة كما في صحيح مسلم، ومعروف أن آنيتهم كانت صغيرة، وعائشة وأم سلمة تقولان: إنهما كانتا تغتسلان معه، فـعائشة تقول: {كنت أغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء تختلف أيدينا فيه} كأن هذا الإناء الصغير لا يسع يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويدي أم المؤمنين فإذا رفع يديه، أدخلت يديها، زاد البخاري من حديث عائشة، {فيبادرني، وأبادره} أي: كل واحد منهما يستعجل ليأخذ شيئاً من الماء وفي رواية النسائي: {حتى أقول: دع لي دع لي، ويقول: دعي لي دعي لي} ما كان يتوضأ بإناء يسع خمس قرب أو ست قرب، ولا كان يفتح الصنبور مدة ربع ساعة أو نصف ساعة صلى الله عليه وسلم. 3- هدي النبي في الطهارة: ثم هديه صلى الله عليه وسلم في الوضوء: كان يتوضأ مرة، مرة، ومرتين مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، كما في الصحيحين لا يزيد على ذلك، وسبق قبل قليل الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلى الله عليه وسلم: {توضأ ثلاثاً ثلاثاً، وقال: هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء، وتعدى وظلم} ثم انظر إلى هديه صلى الله عليه وسلم في النجاسات في الثياب وغيرها، كان يحمل الصبيان والغلمان فربما بال أحدهم على ثوبه صلى الله عليه وسلم، فلا يصنع عليه الصلاة والسلام أكثر من أن يدعو بماء فيرشه وينضحه بالنسبة للصبيان، كما في الصحيحين من حديث أم قيس بنت محصن ومن حديث عائشة في صحيح البخاري، وأحاديث كثيرة ربما بلغت حد التواتر: {وهي أنه كان ينضح ما يصيبه من بول الصبيان} وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينام مع زوجاته، وربما أصاب ثوبه شيء من دم الحيض فيكتفي بأن يغسل موضع الدم ثم يصلي به صلى الله عليه وسلم، وربما أصاب ثوبه شيء من منيه عليه الصلاة والسلام، فاكتفى بأن يفركه، أو تفركه إحدى زوجاته إن كان يابساً، أو تميطه بخرقة، أو أذخرةٍ، أو تغسله إن كان رطباً. وفي صحيح ابن خزيمة وسنن البيهقي أنه صلى الله عليه وسلم: {صلى والمني في ثوبه، فكانت عائشة تفركه من ثوبه وهو يصلي}. وسأل معاوية رضي الله عنه أم المؤمنين أخته كما عند الطحاوي وغيره بسند صحيح: {أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يضاجعك أو يجامعك فيه؟ قالت: نعم، إذا لم ير فيه أذى}. ثم تأمل هديه صلى الله عليه وسلم في هذا تجد أنه أكمل الهدي، وأسلمه، وأبعده عن التعمق، والتكلف وأخذ هذا عنه أصحابه رضي الله عنهم، فما كانوا يقبلون غير ذلك، وكذلك أخذه عنه من بعدهم، فكان التابعون يتوضئون بالماء اليسير، حتى أن منهم من توضأ بنصف المد، ومنهم من توضأ بربعه، وهذا كما يقول ابن قدامة مبالغة شديدة، ومنهم من توضأ فلا يبل وضوءه الأرض، وكان الإمام أحمد رضي الله عنه يقول: من فقه الرجل قلة وضوئه بالماء، وقال المغوزي: أردت أن أوضئ الإمام أحمد وأنا في العسكر، فسترته من الناس لئلا يراه العوام فيظنون أنه لا يحسن الوضوء لقلة استعماله للماء. انظروا إلى هديه صلى الله عليه وسلم في انتقاض الوضوء الذي ابتلى كثير من الموسوسين بأنه قد يكون خرج منه شيء، فيعيد الوضوء مرات -كما سبق- ويتنطع، ويذهب لينظر في ذكره وما أشبه ذلك، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين في حديث عبد الله بن زيد: {شُكِي إليه الرجل يجد الشيء في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً} وفي حديث أبي هريرة بنحو ذلك. إذاً: الطهارة أصل، والحدث طارئ عليها مشكوك فيه فلا ينصرف حتى يقطع بأن حدثه قد انتقض، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بالتفكير والنظر هل خرج منه شيء أو لم يخرج، لكن إذا علم ذلك بصوت أو ريح أو ما أشبههما من الوسائل اليقينية القاطعة فحينئذٍ يتوضأ، أما تكرير الوضوء وإعادته وتكريره وكثرة العرك، والفرك فهذه من مخالفة هدي طائفة السلف رضي الله عنهم. 4- هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة: كذلك هديه صلى الله عليه وسلم في الصلاة وعدم الوسوسة أو كثرة التكرير أو الشك فيها كما يفعل كثير من الموسوسين في التكبير، ثم في أفعال الصلاة ربما زاد وربما نقص، وربما أعاد وربما لا يكاد يصلي أحد منهم إلا ويسجد للسهو، أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بعيداً عن هذا كله مع استحضار قلبه للصلاة وخشوعه فيها، وكمال ذكره، قل ما يسهو، وربما سها فنبه إلى ذلك كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين فاستقبل القبلة فصلى ركعتين ثم سجد للسهو صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص، وهي بنت بنته صلى الله عليه وسلم فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها وهذا أيضاً في الصحيحين، وربما صلى صلى الله عليه وسلم وبجواره الحسن أو الحسين فارتقى على ظهره عليه الصلاة والسلام، فتأخر في السجود حتى ينـزل، فيسأله
معرفة أنه من كيد الشيطان
أما العلاج الآخر فهو: أن يعرف أن الله تبارك وتعالى قال عن كيد الشيطان، وهو يذكر على لسان إبليس وكيده للإنسان، أن الشيطان كان يقول:ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف:17]. فقال: من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، أي: من كل طريق يسلكه الإنسان، فالشيطان يقعد له بطريق الإسلام، بطريق الهجرة، بطريق الجهاد، بكل طريق يسلكه، ولكن المقصود في هذا الموضع، أن الشيطان ذكر اليمين والشمال، والأمام، والخلف، ولم يذكر الفوق، ما قال (ومن فوقهم) لماذا؟ لأنه يعرف أن الله فوقه، وأنه لا يستطيع أن يحول بينهم وبين الله عز وجل، وبينهم وبين رحمة الله تبارك وتعالى، ولذلك فالمبتلى بالوسواس أو بغيره، إذا سأل الله عز وجل بصدق قلب، وإقبال وحرارة فإن الله عز وجل لا يرد من قرع بابه في صدق: لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يَغضب فمن سأل الله بصدق وإقبال فإن الله عز وجل لا يخيبه أبدا، ولذلك ما قال الشيطان: من فوقهم؛ لأنه يعرف أن الله عز وجل قريب يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وليعلم الموسوس أن الانطراح بين يدي الله عز وجل هو مفتاح الشفاء لهذا المرض ولغيره، بل ولأمراضه الحسية والجسدية. ومن ذلك أن يعلم الموسوس أن الله رحيم بعباده، هذه مهمة جداً فالشيطان لا يحول بينك وبين رحمة الله، فإذا قال لك الشيطان: إنما أنت فيه من الدين؛ فتذكر أن الله عز وجل لا يريد أن يشق على عباده ولا أن يهلكهم بهذه الأشياء، وإذا قال لك الشيطان: يمكن أن تموت على الكفر بهذه الوساوس والشكوك؛ فتذكر أن الله عز وجل عليم بعبادة مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ [النساء:147] فالله عز وجل يريد أن يرحم عباده يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185].
الاقتناع بأن الوسواس مرض يجب التخلص منه
الوسيلة الأولى: هي أن تدرك فعلاً أن ما أنت فيه هو مرض يجب علاجه والتخلص منه، فإن الإنسان إذا لم يقتنع بأنه مصاب بالمرض فعلاً، فإن استجابته للعلاج ضعيفة أو معدومة، لأن هذا مرض يمكن أن نقول عنه: إنه نفسي، والمريض النفسي إذا لم يقتنع أنه مريض قد يُعطى العلاج فيرمي به ولا يبالي، لأنه يرى أن ما هو فيه ليس بمرض بل هو عين الحق وعين الصواب، بل قد يرمي غيره بمن لم يبتلوا بهذا الداء بأنهم مفرطون لا يبالون بأي ماء توضئوا، ولا بأي مكان صلوا، ولا بأي نية عملوا، ولا يبالون بأعمالهم وعباداتهم، وأنهم متساهلون في هذه الأشياء فلا بد أن تدرك أن ما أنت فيه هو بلاء ومرض وأنه ليس عبادة تؤجر عليها وإليك الدليل: الدليل على أنه ليس عبادة تؤجر عليها: أن الله عز وجل يحب العبادات يحب الطهارة قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222] يحب الصلاة ويحب المصلين، وهو يبغض الوسواس والموسوسين، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وسعيد بن منصور بسند حسن، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم: {توضأ ثلاثاً ثلاثاً، ثم قال: هذا الوضوء فمن زاد فقد أساء وتعدى وظلم} إذاً الموسوس متعدٍ، والله عز وجل يقول في محكم التنـزيل: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف:55]. إن الله لا يحب المعتدين في الوضوء، والطهارة، والصلاة، والدعاء، وغيره، وغاية ما يقال في شأن الموسوس: إنه مبتلى، وإلا فقد يقال: إنه لو اعتقد أنما هو فيه هو عين الحق والصواب، كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله في بعض كتبه: إنه مشاقٌ لله ورسوله، مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، مخالف لمنهج السلف الصالح، قال: وقال شيخنا -يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية- إنه يستحق التعزير البليغ على مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. إذاً: لابد أن يعرف الموسوس أنه مصاب ومبتلى، وإلا فلن يستجيب للعلاج، وقد صلى بجنبي يوماً من الأيام رجل في أحد المساجد، فرأيت من جهله بالصلاة وكثرة إعادته للتكبير وتشدده وابتلائه في ذلك ما جعلني بعد أن سلَّم وكان مسبوقاً بركعة، أحببت أن أحدثه في ذلك وأنصحه، فلما سلم عن شماله قام سريعاً وخرج يركض، وهو لا يريد أن يكلمه أحد في هذا السبيل، وبعضهم إذا علم أنك ستحادثه تجنب ملاقاتك خشية أن تفتح معه هذا الموضوع، إذاً القضية خطيرة وقد تودي بالإنسان إلى مخاطر ومحاذير كثيرة. فعلى الموسوس أولاً: أن يكون لديه معرفة أنه مبتلى ويجب أن يستجيب للعلاج.
الأسئلة
......
كيفية قضاء العمر
السؤال: كيف يمكنني أن أقضي وقتي بما فيه فائدة، خاصة وأن بعض الشباب يقضون أوقاتهم بما ليس فيها فائدة؟ الجواب: "العمر سريع التقضي، أبي التأني، بطيء الرجوع" كما يقول شيخ الإسلام الهروي في منازل السائرين، ولذلك على الإنسان أن يغتنم ساعات العمر، والأيام، والليالي، فأفٍ وتف، ثم أفٍ وتف، لعمر يضيع في لهو، ولعب، وهو الفرصة الوحيدة لي ولكم أن نقدم لأخرانا ما استطعنا من الأعمال الصالحة. فالإنسان الشاب عليه أن يتدارك عمره في طلب العلم النافع، وصحبة الأخيار، وحضور مجالس الذكر، وحفظ القرآن، وتدريسه، وأن يعمل بما علم، ويعلّم غيره، فإن زكاة العلم العمل والتعليم، وأنا أعتذر إليكم عن هذه الإطالة. ونسأل الله أن يجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاه، وآخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وجزاكم الله خيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
النتر والسلت بين البدعة والسنة
السؤال: إنك ذكرت أن النتر والسلت من البدع المحدثة، إذا كان يخرج من الذكر نقطة أو نقطتان، فكيف أفعل بذلك؟ الجواب: بعض الفقهاء ذكروا أنه يسلت ذكره، وقد ورد في ذلك حديث عند ابن ماجة لكنه لا يصح، وقد أنكره شيخ الإسلام ابن تيمية، أنكر السلت، والنتر، وراجعه ابن القيم في ذلك مراراً، فقال: لا يفعل ونهاه عن ذلك، وقال-كما سبق-: إن البول إذا استدعي در، وإذا ترك قر، فإذا كان الإنسان جرب عملياً، أنه بعدما يتبول ينتظر بعد ذلك دقيقة أو نحو ذلك، ثم يخرج قطرة أو قطرتين عادة، وأنه لو توضأ وقام خرجت منه فعلاً وقطعاً بلا شك ينتظر حتى تخرج منه، لكن أقول التحفظ السابق، هذا الكلام قد يستغله بعض المصابين بالوسواس.
سؤال عن أم موسوسة
السؤال: له والدة تبلغ من العمر سبعين سنة تقريباً، ابتليت بالوسوسة في الصلاة والوضوء، فقد تصلي العصر إلى ثمان ركعات، ولا تصلي الصلاة إلا ولا بد أن تسجد فيها للسهو، وفي الوضوء تتوضأ بماء كثير، وتمكث في دورة المياه حوالي نصف ساعة، تستهلك الماء الكثير، وحاول أن يعالجها فلم يستطع، فبم توجهني جزاك الله خيراً؟ الجواب: التوجيه بما سبق، وامرأة في هذا السن، ولا زالت على الوسواس الأمر فيه صعوبة، ولكن على الأخ ألاَّ ييئس وأن يستمر شيئاً فشيئاً، ويذكرها بالله، ويسمعها كلام أهل العلم في ذلك، ويقرأ عليها الأحاديث، ويعلمها بعض الأحكام التي قد تجهلها، وإن كانت تنسى أو غير ذلك، فيعيد عليها هذا الأمر مرة بعد أخرى، لعل الله أن يعينها على ما هي فيه.
ترك الصلاة خوف الرياء
السؤال: عندما أؤدي أي عبادة أحس أنني مراءٍ، وفي بعض الأحيان قد أترك هذه الصلاة أو العبادة بسبب هذا الوسواس، أرجو منكم العلاج؟ الجواب: نعم، هذه من الوساوس، وهو أن الشيطان يلبس على الإنسان ويقول له: قد تكون مرائياً، حتى يترك العمل، وكونك تركت العمل دليل أنك لست مرائياً، لأنك لو كنت مرائياً لاستمررت على العمل، فكونك تركته خشية الرياء دليل على أنك تحاذر الرياء، فالشيطان له مداخله العظيمة، قد يدخل من الأبواب التي يخيل إليك أنك تتقي الشيطان فيها، فإذا وسوس لك الشيطان في عمل بأنك تقصد غير وجه الله بهذا العمل، وبدأت نفسك تقول: أترك هذا العمل، فالذي أنصحك به وغيرك، أقول: اعمل هذا العمل وزد عليه وأرغم أنف الشيطان.
الوسوسة في الإيمان
السؤال: يقول إنه في التاسعة عشرة من عمره، كان يشعر بقوة الإيمان، وفي هذه السنة بدأ يأتيه الشك، حتى إذا سمع قول فرقة من الفرق الضالة، بدأ يشك، هل هذا من الوسوسة، ويرجو العلاج؟ الجواب: هذا من الوسواس، وهو معروف عند العلماء يسمونه -كما أسلفت قبل قليل- بالشك الديني، والواقع أنه وسوسة تصيب كثيراً من الشباب في هذه المرحلة، حتى إن منهم من يوسوس في البديهيات، أحد الشباب يوسوس يقول: ما هو الدليل على أنه كان هناك رسول موجود؟! ما هو الدليل على أنه كان هناك خلفاء راشدون؟! ما هو الدليل على وجود الدولة الأموية؟! ودولة أخرى تسمى الدولة العباسية؟! ودولة ثالثة تسمى دولة العثمانيين؟! ما هو الدليل على ذلك؟! أقول: ما هو الدليل إذاً على وجود دول في أوروبا وأمريكا؟! ما هو الدليل على وجود عقلك أيها السائل؟!! يشكك الإنسان، ثم إن هذا الإنسان جاء يوماً من الأيام فرحاً مسروراً، وكأنه قد اكتشف أمراً عظيماً، ماذا اكتشف؟! وجد أن هناك درهماً أو ديناراً مضروباً في عهد عبد الملك بن مروان، فقال: إنه اكتشف الآن أنه موجود أي عبد الملك بن مروان، لماذا هو موجود؟! قال: لأن اسمه مضروب على هذه السكة. فتح الله عليك!! هذه الدنيا كلها، وهذه الكتب، والناس كلهم، مسلمهم، وكافرهم، عربهم، وعجمهم، ذكرهم، وأنثاهم، عالمهم، وجاهلهم، يعرفون هذه الحقائق، فوجود الرسول صلى الله عليه وسلم، لا يشكك فيه ولا اليهود، ولا النصارى، ولا البوذيون، ولا الوثنيون، ولا غيرهم. قد يكفرون به عليه الصلاة والسلام، لكن جميع هذه الطوائف لا يشككون في وجوده عليه الصلاة والسلام، فهذا نوع من الخفة تصيب عقل الإنسان، قد يكون سببها أحياناً فترة المراهقة، والشيء الخطير جداً هو إنصات الإنسان لهذا الشيء، وكثرت اهتمامه به، واكتراثه له، وتفكيره فيه، ولذلك النصيحة الذهبية التي تُهدى لكل شباب مبتلى بهذا الأمر، أن يقال له: اشتغل بأمورك، وأمض في سبيلك، في دراستك، وصداقتك مع زملائك، وأعمالك في البيت، وما أنت بشأنه، ولا تكترث لهذه الأشياء، لا تكترث لها، وكل ما يخطر في بالك فادفعه ولا تبالي به. وإن كان في شأن الله عز وجل فتذكر النصيحة التي أثبتها بعض العلماء كـالغزالي رحمه الله وغيره: كل ما خطر ببالك فالله ليس كذلك، أيّ صورة يصورها لك الشيطان عن الله عز وجل فيها نقص فلا تكترث؛ لأن هذا ليس هو الله عز وجل والله لا تدركه الأبصار، ولا تحيط به العقول، فلا تبال بذلك، ولا تكترث، ولا تضق به ذرعاً، لأن الشيطان يريد أن يحزن الذين آمنوا.
نقص غريزة العقل والوسواس
السؤال: قلت: إن السبب الأول في الوسواس، هو نقص في غريزة العقل؟ إضافة العقل إلى الغريزة إضافة مناسبة، هذا يقتضي أن يكون العقل غريزة. الجواب: هذا الكلام أظن أنه بنصه بنصها من كلام الإمام الجويني، وفيما يبدو لي أنه وجيه، أن العقل غريزة، بمعنى أنه مغروز، لأن أصل كلمة غريزة في اللغة، أي أنها شيء مغروز، أو مغروس، أو مخلوق مع الإنسان، وليس من كسبه هو.
العجز عن المجاهدة
السؤال: يقول السائل: إنه عجز عن مجاهدة النفس بتخليل الماء فهل هو آثم؟ وما هو العلاج؟ الجواب: العلاج سبق، ولو صح أنه عاجز فعلاً، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لكن غير صحيح أنه عاجز، كيف يكون عاجزاً؟ وهو رجل مستطيع قادر، فلا يمكن أن يقال: إنه عاجز، وهذا يذكرني بالسؤال الطريف الذي سأله أحدهم الإمام أبا محمد المقدسي، قال له يا أبا محمد! إنني عجزت أن أقول السلام عليكم، إذا أردت أن أسلم للصلاة لا أستطيع أن أقول السلام عليكم ورحمة الله، فضحك الإمام أبو محمد، وقال: قل مثلما قلت الآن! فما بالك إذا كنت تتحدث مع الناس تقولها بهدوء، فإذا جاء وقت الصلاة أصابك ما قرب وما بعد، أنت الآن تقول: إنك لا تستطيع أن تغسل أعضاءك بسهولة، لو كنت تريد أن تغسلها غسلاً عادياً لغير الوضوء لغسلتها بكل يسر، فلم إذا جاء غسلها من أجل الوضوء أصابك هذا! لا، أنت تستطيع ولست بعاجز.
الوسوسة في الصلاة
السؤال: إنه عندما يأتي إلى الصلاة يحس بالوسوسة، مثل التفكير بالموت، أو الأهل فبماذا تنصحني؟ الجواب: كل أمر إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده، أحد الشباب كان يقول: أصابه الخوف والذعر من الموت، وبدأ يوسوس في الموت ليل نهار، وتعدى الأمر إلى وساوس كثيرة جداً في الوضوء، والطهارة، والصلاة، لكن بلغ الأمر - والعياذ بالله- إلى أنه يتجنب المرور في الشوارع القريبة من المقابر وهي في طريق عمله، فيذهب في طريق بعيد لئلا يمر بهذا، لأنه يصيبه ما يصيبه. وإذا رأى الناس في المسجد أصابه ما أصابه، هذا من ضعف النفس من خور القلب، وقلة الإيمان، فعلى الإنسان أن يحرص أن يملأ قلبه بالمادة الصالحة، كل هذه الأسئلة الإجابة عنها أن تملأ قلبك بالمواد الصالحة: بحفظ القرآن، بطلب العلم النافع، بالدعوة إلى الله، بكثرة التسبيح والتهليل، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحينئذٍ تنطرد جميع المواد الخبيثة، ويقول بعضها لبعض لا مقام لكم فارجعوا، فتخرج من قلبك، أما إذا خلا القلب فإن الشياطين تتلاعب وتتراكض كما تتراكض الذئاب في الصحراء الخالية.
النفث في الصلاة
السؤال: إذا أشغل الشيطان المصلي، هل ينفث عن يساره ثلاثاً؟ وما هو الحل من وساوس الشيطان وخاصة في الصلاة؟ الجواب: موضوع طرد الوسواس واستحضار النية، باختصار شديد: سبب الانشغال في الصلاة بالخواطر، والواردات، إما أن يكون سبباً خارجياً، مثل أن يكون الجو الذي فيه الإنسان، أو المسجد فيه ما يشغل الإنسان من صوت، أو صورة، أو ما أشبه ذلك، فعلى الإنسان أن يحرص على دفع هذا الأمر، وإبعاده عنه، وإما أن يكون سبباً داخلياً، وهو أن يكون قلب المصلي مشغولاً بدنيا، بطلب تجارة، برئاسة، بشيء من هذه الأشياء، وهذا هو الأمر الذي يحتاج إلى مجاهدة شديدة في علاجه. فعلى الإنسان أن يجعل حياته في طاعة الله، وألاَّ يشغل دنياه إلا في مرضاة الله، وحتى ما يشتغل به من أمور الدنيا لا يكثر منه ويشغل قلبه به، أما إذا أشغل قلبه به، فليبشر أنه إذا صف في الصلاة فإن هذه الواردات ستخطر على قلبه، وإذا كان سبق معكم قبل قليل من أسباب دفع الوسواس، الانطراح، والدعاء وذكر الله عز وجل فما بالكم حين يكون هذا السبب لدفع الوسواس هو نفسه قد وسوس فيه الشيطان، حتى إن كثيراً من الناس لا ترد عليه الخواطر، والواردات إلا إذا بدأ يصلي. وكلكم تعرفون قصة الرجل الذي جاء إلى أبي حنيفة، فقال: إنه فقد مبلغاً من المال ونسي، لا يدري أين وضعه فقال له: اذهب وصلّ عشر ركعات، فصلى هذا الرجل ركعتين، ثم جاء لـأبي حنيفة وقال: جزاك الله خيراً قد تذكرت أين هو، قال أبو حنيفة: إن الشيطان لما رأى أنك تريد أن تصلي عشر ركعات، قطع عليك الطريق وأخبرك أين هو، حتى لا تكمل هذه الركعات العشر التي نويت أن تصليها، فالشيطان يحول بين الإنسان وصلاته، كما في حديث أبي هريرة في الصحيح. فعلى الإنسان أن يستحضر معنى ما يقرأ من الأذكار والأدعية، يبكر إلى الصلاة، ويقرأ ما تيسر من القرآن، ويتنفل، ويخبت لله عز وجل ولا يكثر الحركة، ومهما تذكر أنه في صلاة فيحرص على استحضار النية، واستحضار الخشوع. أحياناً قد لا تذكر أنك في صلاة إلا وأنت في التشهد الأخير، وأنت تقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، تذكرت أنك في صلاة، فتقول: هل فاتت علي هذه؟ لا، ما فاتت بقي عليك هذا الدعاء الأخير، حاول أن تستذكر معناه، وتسأل الله بقلب صادق، وبالمجاهدة، فالدنيا ميدان جهاد.
الوسوسة في أخذ العين المحرمة
السؤال: يحصل عندي وسوسة، وذلك لأجل أني اشتريت شيئاً محرماً، ولم أؤدِ قيمته، وعندما هداني الله للحق والصواب، حصل عندي وسوسة لأنني إن أعطيته أكون معيناً له على الحرام، أرجو إرشادي؟ الجواب: إذا كانت الوسوسة في هذا الأمر فقط، فهذه ليست وسوسة، هذا شك أو جهل بالحكم الشرعي، أما إن كانت وسوسة عامة في أمور كثيرة، فالكلام السابق كله يتعلق بالوسواس، أما فيما يتعلق بهذا الأمر فلا تعطه قيمة هذا الشيء المحرم الذي اشتريته منه، لكن أنصحك بأن تتصدق بقيمته في سبيل الله.
وسوسة في البول
السؤال: إذا انتهيت من قضاء الحاجة، أحس أن البول لم ينقطع، فكيف أفعل في التخلص من هذه المشكلة؟ الجواب: إذا كان ذلك من باب الوسوسة فسبق الجواب. إما إن كان فعلاً عنده شيء من السلس، ويحس بعدم خروج هذه القطرات، فإن كان يكفي أن ينتظر دقيقتين أو ثلاث دقائق حتى تخرج ثم يتوضأ فحسن وإن كان سلساً مستمراً معه فحكم السلس معروف، وهو أنه يتحفظ بما يمنع وصول النجاسة إلى المسجد أو غيره، ثم يتوضأ إذا دخل وقت الصلاة ويصلي، كما في أحاديث المستحاضة، وهي أحاديث في الصحيحين وغيرها، أنها تتوضأ لكل صلاة، وتصلي، وهكذا من به حدث دائم كالسلس. وكذلك أرشد الأخ إلى أنه بعد أن ينتهي من الوضوء، عليه أن ينضح فرجه، وسراويله بشيء من الماء، وقد ورد هذا عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {أنه كان إذا توضأ نضح فرجه} وكذلك ورد عن الصحابة، والتابعين، وكثير من السلف، كان إذا توضأ نضح فرجه، حتى إذا وسوس له الشيطان بوجود رطوبة، قال: هذا من الماء الذي نضحت به فرجي، أو سراويلي.
الوسوسة في عدم فعل الكمال
السؤال: أنا شاب أرى كلما عملت عملاً، وفعلت فعلاً في طاعة الله عز وجل أنه ناقص، ولم أفعله على الوجه الأكمل؟ فهل هذا يعتبر من الوسواس؟ الجواب: أما كون الإنسان دائماً يتطلع إلى الأفضل، فهذا خير ومطلوب، والعبد لا يزال في جهاد حتى يموت، ولا يجوز للإنسان أن يعتقد أنه بلغ الكمال، فإن اعتقد أنه بلغ الكمال، فإنه من نقصه، أما إن كان يحس بأن هذا شعور غير طبيعي، وكلما عمل عملاً يحصل عنده تردد، وتذبذب، وشك، ووسوسة، فعليه أن يعمل، ويتوكل على الله عز وجل ولا يلتفت إلى هذا الشعور.
الشك في الإخلاص
السؤال: هذا أخ يقول: إنه يخدم زملاءه، لكن يشك في هذه الخدمة، هل هي خالصة لوجه الله أم لا؟ الجواب: هذا من الأشياء التي يدخل منها الشيطان على الإنسان، تشكيكه في النية، والنية ظاهرة أحياناً، فالإنسان يعرف نيته في كثير من الأشياء، أرأيت فيما يتعلق بالوضوء؟ إذا أحضر إنسان ماءً ودخل دورة المياه، وأغلق الباب، ماذا يريد؟ أيريد أن ينام؟! يريد أن يتوضأ ثم يخرج ليصلي؟ وإذا جاء إنسان إلى المسجد، وجلس خلف الإمام ينتظر إقامة الصلاة، لماذا يجلس؟ ماذا ينتظر؟ كل الناس يعرفون أنه جالس للصلاة، هذه قضية معروفة، والشك في النية من أعظم الأدلة على الخبل في عقل الموسوس، لأن الناس يعرفون نيتك في مثل هذه الأمور من آثارها، فكيف لا تعرف نيتك وقصدك؟! ولا داعي للتنطع، ولو كلف الإنسان أن يدفع النية عن قلبه لما استطاع، لا يستطيع الإنسان أن يعمل عملاً بدون نية، ولا يتنطع في إحضار النية، لأن النية مجرد هذا القصد الموجود في قلبك. الأعمال الأخرى: إذا كان أصل قصد الإنسان فيها حسناً، أو دافعه ليس بسيئ، لم يكن عمل هذا العمل من أجل أن يمدح، ولا من أجل نيل أمر من أمور الدنيا، فعليه أن يستمر في هذا العمل، ويحرص على إخلاص النية، ولا يجعل مدخلاً للشيطان أنه قد يترك أعمالاً طيبة، لأن الشيطان شككه بأن قصده ليس بحسن. اعمل هذا العمل من خدمة زملائك، أو طلب العلم، أو الدعوة إلى الله، أو التعليم، وإن كنت تحس أن نيتك ليست تامة، فليس الحل هو أن تترك هذا العمل، الحل أن تستمر في هذا العمل، وترغم أنف الشيطان، وتجاهد نفسك في إصلاح نيتك.
البطء في الغسل تلذذاً بالماء
السؤال: عندما أريد الاغتسال من الجنابة، أجد في الاغتسال تلذذاً وأطيل زمن الجلوس في الماء؟ هل هذا يعد من أمور الوسواس؟ الجواب: إذا كان لمجرد التلذذ بالماء لبرودته -مثلاً- أو لسخونته في وقت الشتاء أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يعد من الوسواس ولكنه يعد من الإسراف، وقبل قليل سمعتم ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: {أنه كان يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع} وحديث عائشة في صحيح مسلم {أنها كانت تغت