شعاع الامل الوسام العطاء الفضي
الجنس : عدد المساهمات : 1659 تاريخ التسجيل : 28/09/2009
| موضوع: قصة أمل .. يحكيها صاحبها الأربعاء 15 سبتمبر 2010 - 17:55 | |
| قصة أمل .. يحكيها صاحبها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلقني وأنعم علي بحياتي, وهو القادر على أن يحيي عظامي وهي رميم, والحمد لله الذي منحني سمعا وبصرا وفؤادا لأتفكر في ملكوته, والحمد لله الذي وهبني عقلا هداني به إلى الحق وقلبا ثبتني به على الإسلام, والحمد لله الذي جعل لي لسانا أذكره به وأصلي وأسلم به على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين. الحادث
في أواخر الصيف يوم الخميس 26 ربيع الأول 1415 والموافق لـ 1 من أيلول\سبتمبر 1994 وبينما كنت أسبح في بحر ساحل طرطوس، اعتليت قاربا كان يقترب من الشاطئ دون أن أنتبه. قفزت إلى الماء إلا أنه كان ضحلا للغاية فارتطم رأسي بقعر البحر. وفقدت وعيي إثرها لبرهة، وعندما أفقت وجدتهم يحملونني من ذراعيّ ورجليّ باحثين عن عربة ليسعفوني إلى مستشفى بسرعة. لم أستطع الكلام. فقدت وعيي مجددا في السيارة وبدأت بالاختناق وأصبحت مزرقا، حينها قام أحدهم بالنفخ في فمي مما مكنني من التنفس حتى وصلنا إلى مستشفى طرطوس الوطني. وفي المستشفى تقرر أنه يتوجب نقلي إلى دمشق. في دمشق أظهرت الصور كسرا في الوجار (الناتئ السني) للفقرة الرقبية الثانية، مما تسبب بأذية مستديمة في النخاع الشوكي. ولأن الإصابة كانت في أعلى العمود الرقبي أصبحت مشلولا رباعيا وبسبب شلل الحجاب الحاجز أصبحت معتمدا على المنفسة. بقيت في غرف العناية المشددة مرتبطا بالمنفسات لأكثر من 7 أشهر متنقلا بين أربع مستشفيات. وأخيرا قرر أبي استيراد منفسة منزلية، فانتقلت إلى المنزل. عائلتي
كان وقع الحادث على عائلتي في غاية القسوة. خاصة على أمي، والتي سرعان ما أصيبت بالسرطان وتوفيت في 17 ذو الحجة 1417 الموافق لـ 24 نيسان 1997. بذلت رحمها الله أقصى ما تستطيع وهي تحاول أن تجد لي علاجا. ولم تسمع بطبيب أو شيخ أو مدع إلا وأتت به أو أخذتني إليه ولم أسلم حتى من المشعوذين والرهبان غفر الله لها. وقد أولتني منذ نعومة أظفاري عناية فائقة خاصة في مجال العلم. حصلت والدتي حنان القهوجي رحمها الله على شهادة ثانوية بعد ولادتنا (أنا وميسون وخلود). ودرست فرع الرياضيات وعينت معيدة في جامعة دمشق لتفوقها، أسكنها الله فسيح جنانه. لم يدخر أبي جهدا في معالجتي، وقد بذل الغالي والنفيس، وقد سافر إلى روسيا وجلب أفضل أساتذة الطب الروس الذين أجروا لي أحد أحدث عمليات تطعيم النخاع الشوكي, والتي استغرقت أكثر من 14 ساعة. والدي عبد الكريم سنجاب مهندس معماري تخرج من سراييفو في يوغسلافيا سابقا. تزوج أبي نادية الحليبي بعد الحادث وأنجب منها إخوتي محمد وهدى (وهما توأمان بعمر 7 سنوات) وعبد المجيد (6 سنوات) وأسعد (4 سنوات). وما يزال أبي (إضافة إلى خلود) القائم الأول على رعايتي، وفقه الله وأمد في عمره. كان للحادث بالغ الأثر على شقيقتي، وخاصة بعد وفاة أمي رحمها الله. والتي سبقت امتحانات الشهادة الثانوية لأختي ميسون بقليل. ورغم ذلك تمكنت من النجاح ودرست في المعهد التجاري وتخرجت بعد سنتين. ثم تزوجت من نعمان السمان, ورزقا بابنهما قيس وابنتهما جوري. أما أختي خلود فتخرجت من كلية الصيدلة في جامعة دمشق. تعاونت شقيقتاي مع أمي وأبي على العناية بي، وبعد وفاة أمي وزواج ميسون تحمل أبي وشقيقتي خلود عبء العناية بي, كما أن خالتي نادية تساعدهم, وفقهم الله جميعهم. نشأتي
من الله علي بأن أنبتني نباتا حسنا, فقد سخر لي أمي طيب ثراها لتقوم على تنشئتي بأفضل ما تستطيع. فقد عملت على توجيهي نحو المطالعة, وأحاطتني بالكتب العلمية القيمة. بعد أن أتممت المرحلة الإعدادية سجلتني أمي في دورات للغة الانچليزية و للإلكترونيات وللبرمجة بلغة QBasic والتي كان لها أثر حاسم في حياتي لاحقا. نلت الشهادة الثانوية صيف 1994 بتفوق أتاح لي الانتساب إلى كلية الطب ومعهد البحوث العلمية لكنني انتسبت إلى كلية الهندسة الإلكترونية في جامعة دمشق نظرا لتعلقي بالإلكترونيات والحاسوب. عودتي
قضيت أكثر من سبعة أشهر في غرف العناية المشددة محاطا بأهلي وأصدقائي الذين كانوا خير عون لي في محنتي. وأذكر منهم خالتي هند القهوجي وأصدقائي حسن الكردي وسامر أبو قبع وحازم ومنال وفادي سنجاب ونزار مصلح. بعد بضعة أشهر من عودتي إلى المنزل تقريبا استأجر خالي سمير القهوجي حاسوبا لمدة شهر كانت كافية لإعادتي إلى عالم البرمجة. فجلبت بعض الكتب العربية عن البرمجة, وتعلمت لغة C. ثم بدأت بقراءة كتب إنغليزية عن لغة C++ والبرمجة الثلاثية الأبعاد, وقد أهداني صديقاي سامي سنجاب ومازن الرفاعي أهمها. وقد ترجمت كتابين منها بمساعدة كثيرين أذكر منهم ماري بطرس وكارمن سنجاب ولينا الحليبي. وكنت أقرأ مستعينا بأداة لحمل الكتب صنعها صديقي مهران الكردي والذي صنع لي عدة أجهزة أخرى مفيدة. ثم أحضر لي خالي حاسوبا دائما, فبدأت بتطبيق ما قد تعلمته. العالم الخارجي
اقتصرت علاقتي مع العالم الخارجي بداية على أصدقائي اللذين يزورونني باستمرار. وقد رزقني الله بكثير من الأصدقاء, من مختلف الأعمار والثقافات. وأغلبهم تعرفت عليهم بعد الحادث. وقد أحاطوني بالمحبة والاهتمام, ولم يتأخروا عن مد يد العون إلي. وأذكر منهم إضافة لمن ذكرتهم فادي جاموس والذي داوم على عيادتي مذ عرفني وفخر الدين طعمة ومنير سنجاب ورنا ووارف وعبد العزيز أبو قبع ومازن وعماد ومعاوية ومعتصم ومؤيد ومؤمن ومحمد الرفاعي وحسين العلي وعيسى عثمان ومحمد وحامد وتوفيق وعبد العزيز السحلي. بقيت حبيس البيت إلى أن أخذني أصدقائي صيف 1995 إلى منزل صديقي حسن الكردي في التل في ريف دمشق لعشرة أيام. ومذ ذاك استمر أصدقائي بأخذي صيفا إلى أن سافر صديقي حسن للدراسة. أما الآن فأقضي الصيف مع أهلي في منزلهم في التل في ريف دمشق. تطورت علاقتي مع العالم الخارجي بعد حصولي على اتصال بالانترنت بمساعدة ابن عمتي معاوية الرفاعي, فأصبح لدي أصدقاء في شتى أصقاع المعمورة, والكثير منهم لم يروني إلا بالصور. كما أن موقعي على الشبكة غدا وسيلة فعالة للتواصل مع الآخرين. عملي
بمساعدة صديقَيّ الدكتور نسيم رتيب والمهندس أسامة المصري, أصبحت أعمل في Tiger Production منذ أيلول 1999. وهي الفرع البرمجي لـ Young Future, وهي شركة إعلامية ترفيهية وتعليمية للأطفال, وتتبع لها شركة Venus للإنتاج الفني وقناة SpaceToon الفضائية. لدي العديد من المساهمات في Tiger Production. كسبت الكثير من الخبرات والأصدقاء أثناء عملي. أذكر منهم المهندسِين سامر حنبلي وسامر سلمى وأحمد العص ومضر نقشبندي. وسائلي للاتصال
بسبب إعاقتي, لم أكن قادرا على استخدام لا لوحة المفاتيح ولا الفأرة. ولذلك كنت أتواصل مع الحاسوب من خلال موظفة تطبق ما ألقنها إياه, وأذكر هناء مصطفى ودلال. وكنت أرى النتائج باستخدام شاشة عرض موضوعة إلى جانبي. قام صديقي المهندس عيد عبيد بمحاولة تصنيع فأرة إلكترونية إلا أن محاولته لم تنجح. فقام صديقي الدكتور نسيم رتيب بصناعة فأرة لأستخدمها بشفتي السفلى ولساني. فأصبحت أتواصل مع الحاسوب بنفسي للمرة الأولى. وقد تطورت الفأرة عبر عدة مراحل حتى وصلت لشكلها الحالي بمساعدة صهري نعمان السمان وصديقَيّ فخر الدين طعمة و حسين داغستاني. وباستخدام تطبيقي الخاص لوحة المفاتيح الفعلية أصبحت قادرا على الكتابة باستخدام الفأرة. وقد استخدمته لكتابة هذا النص. بمساعدة صديقي المهندس أسامة المصري ومدراء Young Future, حصلت على شاشة عرض كريستالية. والتي وضعت فوق رأسي بجهود من صديقي بدر الدين طعمة. وهي مريحة أكثر بكثير من سابقتها. صحتي
وضعي الصحي مستقر تقريبا. ترعاني ممرضة صباحا. ويجري لي صديقي المحامي والمعالج الفيزيائي غسان عيساني معالجة فيزيائية يومية. وأقلب على جنبي كل يومين لبضع ساعات. عانيت من مشاكل مثل الخشكريشات (قروح سريرية), تعافيت من معظمها عدا خشكريشة ظهرية. بمساعدة ابن عمي الدكتور مازن سنجاب وصديقي المهندس سامر سلمى صححت قصر البصر باستخدام النظارات. يقوم صديقي الدكتور ظافر الرفاعي بفحص أسناني وبمعالجتها. أصبت بريح صدرية متوترة تسببت في انخماص وانزياح الرئة اليسرى والقلب إلى الجانب الأيمن. شفيت من الريح الصدرية بشكل تام بمساعدة صديقي الدكتور خالد محمود والحمد لله. يشرف علي الدكتور ماهر الحليبي عندما تسوء صحتي. يتولى صديقي المهندس أحمد غزولي صيانة جهاز المنفسة سنويا. شكر
الحمد لله أولا وآخرا ودائما وأبدا والشكر له على كل شيء والأهم هو حياتي وعقلي وإسلامي. (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها). أشكر أمي رحمها الله، التي أنجبتني وأحسنت تربيتي وتعليمي ورعايتي قبل الحادث وبعده. غفر الله لها وأسكنها فسيح جنانه. أشكر أبي أطال الله عمره وزوجته نادية، لما بذل ويبذل من مال وجهد عظيمين منذ نشئتي حتى الآن، أعانهما الله وأمدهما بالصحة والعافية. أشكر شقيقتي ميسون وزوجها نعمان السمان وشقيقتي خلود اللتين حرصتا على العناية بي دوما في الوقت الذي كانتا فيه بأمس الحاجة لمن يعتني بهما. وفقهم الله. أشكر جميع أخوالي وخالاتي وأعمامي وعماتي وجميع أقاربي. أشكر جميع أصدقائي وكل من أحبوني ومدوا يد العون لي. خلاصة
وفي الختام أوجه تحية لكل من يبتليه ربه, داعيا له بالهدى والفرج وحسن الختام, محرضا إياه على الاستمرار بالعمل الدؤوب, فالحياة لا تنتهي بالبلاء طالما أن هنالك عقلا سليما وقلبا مؤمنا ولسانا ذاكرا وصديقا صدوقا وأملا برحمة الله في الدنيا والآخرة, والحمد لله رب العالمين.
| |
|