حسب والله أعلم أنه ما منا - معاشر المسلمين - من أحد إلا ويريد أن ينطلق إلى الخير، وأن يفارق حياة المعاصي، وساعات الذنوب، لكن ليس كل أحد يستطيع ذلك، فالنفس تتعذر بالبيئة، وأحياناً بالرفقة، وثالثة بالزمان أو المكان، إلى غير ذلك من المعاذير التي تفر بها من الله - تعالى -، وتحسب أنها ناجية بذلك.
وتنـزُّلاً مع هذه النفس، ونظراً في معاذيرها السالفة الذكر، نقول لها: كيف إذا ذهب كل ذلك؟ كيف إذا كان المجتمع كله متلبس بالطاعة؟ كيف إذا كثر الصالحون؟ كيف إذا رقت القلوب، وتزين الزمان بالرحمات؟ كيف إذا انتشرت رياح التوبة في الأفاق تتسلل إلى قلوب الصائمين؟ كيف إذا فتحت أبواب الجنة لتقول للمتقين: هلمُّوا؟ كيف إذا غلقت أبواب النار لتقول للمسرفين: كفُّوا؟ كيف إذا قُيِّد دعاة جهنم من الشياطين ومردة الجن؟ كيف إذا نادى منادٍ لكل من ألقى السمع وهو شهيد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر؟.
أخي الحبيب: إن الفرص تأتي لكنها قد لا تعود، وهي لا تنتظرك، ورمضان كما قال الله في كتابه الكريم: {أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ}1
بادر الفرصة واحذر فـوتها فبلـوغ العز في نيل الفرص
واغتنم عمرك إبان الصبـا فهو إن زاد مع العمر نقص
وابتدر مسعاك واعلم أن من بادر الصيد مع الفجر قنص
و((رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له))2.
ها هو رمضان فرصة للتغيير، فرصة لا نملك مثلها كثيراً، وهي تصلح لأن تكون نقطة انطلاقة جديدة!، فربما تفتح مشروعاً تجارياً هائلاً مع الله - تعالى - سببه دعوة رمضانية، أو لربما تنفتح أبواب قلبك المغلقة نحو فضاء الإيمان بدمعة صادقة في جوف ليل، أو لعلك أن تنقذ نفسك من الجحيم بصدقة خفية قدمتها يداك!.
آلاف الصور المليئة بالخيرات الدنيوية والأخروية تنتظرنا هناك في رمضان! تحتاج إلى قرار فقط، قرار بالتغير! وفقنا الله وإياكم لنيل خير هذا الضيف الكريم.
نعيش في رمضان أجواء رائعة هي فرصة يسوقها الله إلينا كل عام لنعيد برمجة أنفسنا ايجابياً، وسط هذه الأجواء المفعمة بالنقاء والصفاء الروحي، وبما أن معظمنا قد تغيرت عاداته خلال رمضان؛ فإن الفرصة كبيرة جداً في تغيير العادات الضارة، وذلك بأن يبدأ بتأسيس عادات جديدة إيجابية، دون أن يترك الفرصة للعادات السيئة بإعادة غرس نفسها من جديد!!.
هذا إلى جانب أن الصوم هو نفسه بيئة خصبة جداً للتغيير لما يحوي من شفافية وسمو روحي لاكتساب عادات إيجابية جديدة.
ولابد أن نذكر هنا - أيها الأخ في الله - أنك لا تستطيع إزالة أي عادة غير مرغوبة إلا بزرع عادة مرغوبة بدلاً عنها، فلا يكفي أن يقلل الشخص من التدخين - مثلاً - بل لابد من إحلال عادات إيجابية أخرى تساعد على الرغبة في التقليل من التدخين.
وهذه بعض الخطوات التي تمكِّنك من التغيير، وترك بعض العادات السيئة، ولتعلم أنه:
- وقبل كل شيء قرارك هو الأول؛ فقرَّر بشكل قاطع أنك تريد الإقلاع عن تلك العادة الكريهة، فإن ذلك كما يقول الله - تعالى -: {لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}3، ثم حدِّد موعد الترك، وليكن في أقرب فرصة، ولا تسمح لنفسك بالتأجيل حتى لا يؤثر ذلك على شخصيتك وقرارك.
- استعن بالله، وادعه مخلصاً أن يمنحك القوة والتوفيق لتحقيق ذلك كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((وإذا استعنت فاستعن بالله))4.
- ضع أمام عينيك دائماً أخطار تلك العادة، وعواقبها الوخيمة، وتذكَّر أن الله سيسألك عن صحتك، وعمرك، ومالك.
- حاول أن تجد رفيقاً لك من أصحاب تلك العادة (قريب - صديق - زميل)؛ لتتعاهدا معاً على تركها، فهذا أدعى للخير، ويزيدك إصراراً على الترك، والمرء بإخوانه لا بنفسه فقط كما قال الله - تعالى -: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}5، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من دل على خير فله مثل أجر فاعله))6.
- احذر أصدقاءك الذين يحاولون تنحيتك عن ترك تلك المشكلة، وتذكَّر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل))7.
- أبلغ زوجك وأهلك ومن تثق بهم بقرارك فإنهم سيكونون مصدر دعم مهم لك - إن شاء الله -.
- قرِّر أن تقتطع مبلغ المال الذي كنت تصرفه على تلك العادة للتبرُّع به للفقراء واليتامى بشكل يومي؛ لأن الله - تعالى - يقول: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً}8.
- استثمر الصيام في تدعيم قرارك؛ فكن أكثر قرباً لله، ومراقبة له، وتذكر قوله - سبحانه -: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}9.
- سيتولد لديك صراع داخلي للعودة إلى تلك العادة فتذكر قول الله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}10، ولا تنس قوله - تعالى -: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}11.
فحدث نفسك بالتغيير، وابدأ بالانطلاق إلى الله على قارب التوبة، في بحر الدموع؛ حتى تصل إلى شاطئ المغفرة.
والله الله في اغتنام هذا الشهر .. لا تترك الفرصة تذهب عليك بدون استغلالها.
نسأل الله - تعالى - أن يوفق الجميع إلى كل خير، وأن يحفظ علينا ديننا حتى يتوفانا عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين12.