أغرب اجابة

جلس المعلم في مكتبه ..وضع بين يديه حزمة أوراق الامتحان
شعر بالتعب لمجرد النظر إليها ..لم يستجب لرغبة نفسه في أخذ قسط من الراحة
أخذ الورقة الأولى متكاسلا ، أكمل تصحيحها.. ثم صحح التي بعدها..ثم الموالية..
ثم...ثم...
وفجأة انفجر ضاحكا سمعته زوجته من المطبخ فأقبلت مسرعة...غشيها
شيء من الخوف على زوجها خشية أن يكون أصيب بمسّ سألته :
- ما الذي يضحكك حبيبي ؟
لم يستطع الكلام ..أشار بيده إلى الورقة..أمسكت الزوجة الورقة بعد أن
نشّفت يديها من البلل..قرأت الورقة فانفجرت ضاحكة هي الأخرى...
وقالت يا له من طفل نجيب.
نظر إليها نظرة ملؤها الشزر لكنّ الوقت لم يكن مناسبا للردّ عليها.
ذهب في صباح اليوم التالي مبكرا الى المدرسة..جلس في صدر قاعة
المعلمين وأخرج تلك الورقة ..كانت تلك الورقة في ذلك اليوم بمثابة
شهادة على الحضور.. كلّ معلم يدخل عليه أن يقرأها أوّلا..تحوّلت
القاعة الى مهرجان للضّحك تعالت الضحكات والتعليقات..الجميع يضحك
ما عدا المعلم " خبّاشة " كما يلقّبه زملاؤه نظرا لكثرة مطالعته وتردّده
على المكتبة . كان المدير آخر من يدخل القاعة تفاجأ من الحالة المزرية
للمعلمين وقبل أن يتمكن من طرح السؤال مدّ له أحد المعلمين تلك الورقة
كاد أن يسقط من الضّحك..أمر أحد المراقبين بإحضار التلميذ.
أحضر التلميذ وأجلس وسط القاعة وبدأت المحاكمة .
سأله المدير:
- ماذا كتبت على ورقتك ؟..
- أريد أن أقضم أذن المعلم.
- وتجرؤ على قولها أمامي أيضا.
- سيدي سألتني فأجبت..سل معلمي عن السؤال.
- ماذا كان سؤال الامتحان؟..قال المدير للمعلم.
- ما أمنيتك في هذه الحياة.
أُسقط في يد المدير وأدرك أنّه ظلم التلميذ فهو لم يخرج في إجابته عن نصّ السؤال..
ورغم ذلك انتهره قائلا لا تسئ الأدب مرّة أخرى ثم أذن له بالانصراف.
خرج التلميذ واحتدم النّقاش داخل القاعة..وتعدّدت الآراء لكنّ مجملها كان يتمحور
حول ثلاثة طروحات.
1- يجب انتهاج منهج الصّرامة مع التلاميذ للحيلولة دون مظاهر عدم الاحترام.
2- يجب انتقاء الاسئلة بعناية .
3- يجب التنسيق مع الأولياء لمزيد من الإلمام بظروف التلاميذ المكبوتين.
انتبه أحد المعلمين الى صمت المعلم خبّاشة وقال: كلنا تكلمنا وقلنا رأينا في
الموضوع ما عدا المعلم خبّاشة .
- صدقت لعلّ لديه جوابا استقاه من كثرة مطالعاته.. قال آخر بتهكم!!! .
نظر إليه المدير كأنّما يطلب منه رأيه...
ساد الصّمت وانتظر الجميع رأي خبّاشة فجلّ المعلمين يحترمونه لتمكنه من مادّته..
قال خباشة إنّ هذا التلميذ لا يخلو حاله من أمرين:
إمّا أن يكون غبيّا لا يدرك ما يقول وهذا مستبعد لما بدا عليه من رصانة
وحكمة في إجابته على سؤال المدير. وإمّا أن يكون ذكيّا جدّا وهو بهذه الاجابة
يشير إلى شيء خفيّ يريد منّا اكتشافه.
وما هو هذا الشيء يا فيلسوف زمانه قال المدير؟؟.
التفت خبّاشة الى زميله وسأله :
- كيف حال هذا التلميذ داخل القسم؟
- يسأل كثيرا ويحبّ أن يفهم كلّ شيء.
- وكيف تتصرّف أنت حيّال ذلك ؟
- لا أعيره اهتماما فالقسم يضمّ ثلاثين تلميذا ، ولو أجبت كلّ واحد منهم لانتهت
الحصّة قبل أن أبدأ في المقرّر...
- هذا ما توقعته!!.
وما ذاك ؟؟ قال المدير..
- إنّ التلميذ يريد أن يقول لا فائدة من أذن لا تسمع..وطريقة التلقين برأيه
لا تنفع فهو يريد منّا أن نعتمد معهم طريقة الحوار.
شعر المدير بالحرج أمام حكمة المعلم خبّاشة . وأكد في كلمة مقتضبة على الطريقة
الحوارية في التّدريس ، مذكرا بلوائح الوزارة في هذا الشأن ، وقبل أن يختم
كلمته بيّن أنه يخالف المعلم خبّاشة في الرأي وطلب من المعلمين القضاء على هذه الظواهر
الطفيلية كما أسماها ، وحدّثهم عن طفل متحاذق كان يدرس عنده أيّام كان معلما
وكيف أنّه عاقبه بكتابة " أنا بوق أنقل كلما أسمع " مائة مرة ، وكيف كانت
تلك العقوبة رادعا له.
كانت كلمة المدير لذلك المعلم بمثابة سلاح فتّاك قرّر أن يبيد به أيّ حشرة
تفكر في لسعه .
حان موعد الامتحان الثاني ...طرح المعلم نفس السؤال السّابق حرصا منه على
معرفة ما يفكرفيه ذلك التلميذ..
وضع حزمة الأوراق أمامه لكنّه في هذه المرّة بحث عن ورقة التلميذ الحكيم كما سمّاه
المعلم خبّاشة..وكم كانت مفاجأته وصدمته كبيرة هذه المرّة ..
كان جميع المعلمين في انتظاره صباح اليوم التالي ..كانت دهشتهم كبيرة حين
أطلعهم على الإجابة ..لم يجرؤ أحدهم على الضّحك باستثناء المعلم خبّاشة الذي
ازداد إعجابه بهذا التلميذ..
وصل المدير فوجد القوم يتهامسون ويوشوش بعضهم لبعض..
سأل المدير المعلم:
- هل ارتدع صاحبنا؟؟.
- سكت المعلم ولم يدر ما يقول.
ساد الصّمت في القاعة...قال أحدهم : دعونا من سيرة هذا الطفل وحدّثونا عن
شيء مفيد كالزيّادة في الأجور..أو قانون المعلم..أو غيرها...
أدرك المدير أنّ هناك شيئا غير طبيعي وطلب ورقة التلميذ ليطلع عليها بنفسه ،
قرأ الإجابة فجنّ جنونه وطلب إحضار التلميذ فورا واستدعاء وليّ أمره..تظاهر
أحد المعلمين بأنه لا يعرف ما فيها وطلب الورقة من المدير..
لا... قال بصوت مرتفع بعدما نظر فيها... هذا غير مقبول أبدا ، أن تُقضم أذن
معلم فهذا يمكن تقبلّه وتفهّمه ، لكن أن يقطع لسان المدير فهذا ما لا يسكت
عنه أبدا.
انعقد اجتماع طارئ موسّع حضره وليّ التلميذ ، وافتتح المدير الجلسة مذكرا
ببديهيّات التربية المتمثلة في ضرورة تعليم الأطفال احترام الأكبر منهم سنّا..
واقترح عقد مجلس تأديبي للتلميذ..
لم يجرؤ أحد على إبداء رأي مخالف للمدير الذي طلب من المعلمين الموافقة
على قراره.
وقبل أن تتمّ الموافقة طلب المعلم خبّاشة الإذن بالكلام .
امتعض المدير من طلبه لكنّه وجد نفسه مجبرا على الموافقة في حضور وليّ
أمر الطفل.
قال خبّاشة: بما أنّنا نريد معاقبته أعتقد أنّ من حقّه علينا أن نسمع منه ..
وهل عنده ما يقول بعد الذي قاله ...قال المدير بامتعاض شديد..ومع ذلك سنسمح
له بالكلام ...تفضّل قل ما عندك يا قليل الأدب.
قال التلميذ : سيّدي إذا كان معلمنا قتل فينا أسلوب الحوار..فأنت قتلت فينا روح الطموح..
كاد المدير أن ينفجر من الغضب ...وساد صمت رهيب داخل القاعة حتى كاد البعض أن
يقطع أنفاسه..وكاد التلميذ أن يقطع أمله في التعليم وأهله لولا تصفيقة المعلم خبّاشة
الحارّة التي حيّا بها أشجع وأنجب تلميذ رأته عيناه...

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]




بوركتي أختاه
والله لا يحرمنا منك
ودمتي في حفظ الله

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] بارك الله فيك اختنا في الله