مقارنة بصاحبات مهن عديدة، كالطبيبة والممرضة والمحامية والمهندسة فإن وظيفة ربة البيت هي الأكثر إشكالية، على الأقل من ناحية إجرائية بحتة.
فصاحبات تلك المهن يقمن بأعباء وظائفهن ضمن ساعات عمل محددة، منصوص عليها قانونا، يترتب على تجاوزها استحقاقات مالية على ربّ العمل، كما تتمكن المهنيات من إنهاء علاقتهن بأجواء الوظيفة من مسؤوليات وتنافس وقلق وظيفي وخصومات إدارية حال مغادرة مقر العمل، على النقيض من ربّات البيوت اللواتي يقمن بأعمالهن في الظل وبصمت مطبق وعلى مدار الساعة، كون مهنتهن تتضمن قائمة لا حصر لها من الأعباء والمهام المنهكة القابلة للتكرار طوال الوقت وبلا نهاية، كما أن هذه الوظيفة الملتبسة تتطلب خبرة واسعة في حقول عديدة تتجاوز مهارات باتت تصنف علوما يحصل المرء على شهادات فيها كإدارة شؤون البيت من تنظيم ميزانية ومتابعة احتياجات وإتقان مهارات الطهي والتنظيف والترتيب وتربية الأطفال ومتابعة صحتهم النفسية والجسدية ومراقبة سلوكهم وتحصيلهم العلمي وغيرها من مهام جسيمة، ينظر إليها البعض بعين الاستخفاف وقلة التقدير، وهي المهنة الأكثر عرضة للإجحاف ولسوء الفهم، يعدها البعض مصيرا أسود يتربص بالنساء الفاشلات ممن لم يحققن إنجازا أكاديميا يذكر، فيذهبن باندفاع إلى زواج يكفيهن شر الطموح المهني!.
حين تملأ النساء خانة المهنة في وثائقهن الرسمية بعبارة ربة بيت، فإن التفسير البديهي للعبارة هو: عاطلة عن العمل وفق منظور قاصر عن إدراك مدى صعوبة وتنوع هذه الوظيفة الاستثنائية، ضمن ثقافة لا تقيم وزنا كبيرا لعرق المرأة المبذول على مدى اليوم من دون انقطاع، وتعتبره "تحصيل حاصل" وواجبا مفروضا وبندا ضمنيا في عقد الزواج يفيد بأن شؤون التدبير المنزلي مسؤولية المرأة حصرا. وبحسب دراسات نفسية عديدة تظل ربات البيوت في كل بلاد الدنيا الفئة الأكثر تعرضا للإحباط والتوتر والكآبة؛ لأسباب عديدة أهمها: الإرهاق الشديد، وانعدام الإحساس بالإنجاز أو التطور، نظرا لمحدودية الفضاء الذي تتحرك فيه، من هنا فإن ربات البيوت بحاجة إلى تصويب النظرة الدونية إلى طبيعة عملهن، وإلى تشريعات حضارية تكفل لهن حقوقهن الضائعة؛ لأن المهمة الملقاة على عاتقهن شاقة بكل المقاييس، وهي المهنة الأكثر صعوبة؛ كونها لا تحظى بالتقدير والاعتراف المطلوبين، ويخلو قاموسها من الإجازات المرضية والسنوية والعلاوات والمكافآت الاستثنائية، ولا تحتوي أية حقوق عمالية من ساعات راحة وزيادة سنوية، وضمان اجتماعي أو تقاعد مريح أو مكافأة نهاية خدمة أو فرصة للترقّي ولو درجة واحدة! بطبيعة الحال فإن معظم نسائنا العاملات وما أن تنتهي ساعات دوامهن حتى يباشرن مهامهن كربات بيوت بدوام جزئي من دون أن ينلن لحظة راحة في محاولة للتوفيق بين الوظيفتين، ما يفسر حالة التوتر النفسي التي تميز شخصياتهن.
يتبنى البعض رأيا لا يخلو من تطرف حول المسألة مفاده أن مكان المرأة الطبيعي وبغض النظر عن مستواها العلمي وحجم طموحها هو بيتها، وثمة الكثير من نماذج لنساء متميزات ممن حققن تفوقا أكاديميا باهرا في حقول علمية متخصصة، غير أنهن زهدن بكامل رضاهن أحيانا، أو مكرهات في معظم الحالات بقيمة العمل بشكل يبعث الحيرة ويثير تساؤلا مشروعا حول جدوى تلك الأعوام الطويلة التي قضيناها في البحث والدرس، فظلت تلك الشهادات الجامعية بمرتبة الشرف حبيسة في زاوية مهملة من الخزانة في تواطؤ معلن ضد الذات المهدورة طاقتها من دون وجه حق.
بسمة النسور
جريدة الغد الاردنية