« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه »
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه »
متفق عليه .
هذا حديث عظيم ،
فيه الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم
عن المؤمنين أنهم على هذا الوصف ،
ويتضمن الحث منه على مراعاة هذا الأصل ،
وأن يكونوا إخوانا متراحمين متحابين متعاطفين ،
يحب كل منهم للآخر ما يحب لنفسه ،
ويسعى في ذلك ،
وأن عليهم مراعاة المصالح الكلية الجامعة لمصالحهم كلهم ،
وأن يكونوا على هذا الوصف ،
فإن البنيان المجموع من أساسات
وحيطان محيطة كلية وحيطان تحيط بالمنازل المختصة ،
وما تتضمنه من سقوف وأبواب ومصالح ومنافع ،
كل نوع من ذلك لا يقوم بمفرده حتى ينضم بعضها إلى بعض .
كذلك المسلمون يجب أن يكونوا كذلك ،
فيراعوا قيام دينهم وشرائعه وما يقوّم ذلك ويقويه ،
ويزيل موانعه وعوارضه .
فالفروض العينية :
يقوم بها كل مكلف ،
لا يسع مكلفا قادرا تركها أو الإخلال بها ،
وفروض الكفايات :
يجعل في كل فرض منها من يقوم به من المسلمين ،
بحيث تحصل بهم الكفاية ،
ويتم بهم المقصود المطلوب ،
قال تعالى في الجهاد :
{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ }
[ التوبة : 122 ] .
وقال تعالى :
{ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ }
[ آل عمران : 104 ] .
وأمر تعالى بالتعاون على البر والتقوى فالمسلمون قصدهم ومطلوبهم واحد ،
وهو قيام مصالح دينهم ودنياهم التي لا يتم الدين إلا بها ،
وكل طائفة تسعى في تحقيق مهمتها بحسب ما يناسبها
ويناسب الوقت والحال .
ولا يتم لهم ذلك إلا بعقد المشاورات والبحث عن المصالح الكلية ،
وبأي وسيلة تدرك ،
وكيفية الطرق إلى سلوكها ،
وإعانة كل طائفة للأخرى في رأيها وقولها وفعلها
وفي دفع المعارضات والمعوقات عنها ،
فمنهم طائفة تتعلم ،
وطائفة تعلم ،
ومنهم طائفة تخرج إلى الجهاد بعد تعلمها لفنون الحرب ،
ومنهم طائفة ترابط ،
وتحافظ على الثغور (1) ،
ومسالك الأعداء ،
ومنهم طائفة تشتغل بالصناعات المخرجة
للأسلحة المناسبة لكل زمان بحسبه ،
ومنهم طائفة تشتغل بالحراثة والزراعة والتجارة والمكاسب المتنوعة ،
والسعي في الأسباب الاقتصادية ،
ومنهم طائفة تشتغل بدرس السياسة وأمور الحرب والسلم ،
وما ينبغي عمله مع الأعداء مما يعود إلى مصلحة الإسلام والمسلمين ،
وترجيح أعلى المصالح على أدناها ،
ودفع أعلى المضار بالنزول إلى أدناها ،
والموازنة بين الأمور ،
ومعرفة حقيقة المصالح والمضار ومراتبها .
وبالجملة ،
يسعون كلهم لتحقيق مصالح دينهم ودنياهم ،
متساعدين متساندين ،
يرون الغاية واحدة ،
وإن تباينت الطرق ،
والمقصود واحدا ،
وإن تعددت الوسائل إليه .
فما أنفع العمل بهذا الحديث العظيم الذي أرشد
فيه هذا النبي الكريم أمته إلى أن يكونوا كالبنيان يشد بعضه بعضا ،
وكالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له
سائر الجسد بالحمى والسهر .
ولهذا حث الشارع على كل ما يقوي هذا الأمر ،
وما يوجب المحبة بين المؤمنين ،
وما به يتم التعاون على المنافع ،
ونهى عن التفرق والتعادي ،
وتشتيت الكلمة في نصوص كثيرة حتى عد هذا أصلا عظيما من أصول الدين
تجب مراعاته واعتباره وترجيحه على غيره والسعي إليه بكل ممكن .
فنسأل الله تعالى أن يحقق للمسلمين هذا الأصل ويؤلف بين قلوبهم ،
ويجعلهم يدا واحدة على من ناوأهم وعاداهم ،
إنه كريم
منقول