قرأت لكم
هل مشكلة المهور وحدها وراء العنوسة العربية؟
06/08/2009
يعتبر فصل الصيف موسما عامرا بعقود القران وحفلات الأعراس، حيث يجتمع الأهل المغتربون، وتقل الأعمال والارتباطات، ويحلو الجو لإقامة الأفراح والليالي الملاح، وبرغم هذا الاقبال الموسمي على الزواج فإن نسبة العنوسة لم تقل وما زالت أرقامها مليونية في بعض الدول العربية التي تعاني ويلات الفقر والحروب وانتشار الرذيلة، ولقد أصبح الزواج مع ارتفاع تكاليف المعيشة والمغالاة في المهور ترفا لا يقدر عليه إلا ميسورو الحال، لأن الأمر يتعدى تكاليف ما قبل الزواج المقدور عليها فالأعظم والأشد مؤونة من ذلك هو القدرة على الاستمرار في توفير حياة محترمة لهذه الأسرة الناشئة حتى لا ينفرط عقدها في مواجهة مصاعب الحياة ولتحتمل البصل بعد نفاد العسل، في الوقت الذي نسمع فيه بأعراس تشبه ألف ليلة وليلة في بعض مجتمعاتنا تكون هدايا الحضور من الذهب أو النقود، وفضلة المآدب تكفي لإطعام بعض دول افريقيا الجائعة، والفقرات الاستعراضية تهذب بالألباب من أول الزفات المصرية الى الفلسطينية الى الخليجية واستخدام الطيور والخيول، وأعراس فوق الماء وتحته وفي الجو، تعود الذاكرة لزمن كانت ثقافة المهور قائمة على الاستثمار بمعدن الانسان والقيم العليا التي تعلي من شأن الزوج والزوجة على حد سواء.
في زمان يُتهم فيه الاسلام بالمتاجرة بالمرأة وبيعها وقبض الثمن مهرا تعود الذاكرة لزمن كان مهر ابنة الرجل الصالح، والذي يقال انه سيدنا شعيب، ثماني سنين من العمل الشاق قدمها سيدنا موسى عليه السلام كليم الله بين يدي زواجه بهذه المرأة العفيفة التي لم تزاحم رجال مدين على السقاية، هذه المرأة العفيفة التي عندما قابلت رجلا يستحق المتاجرة به لم تمتنع عن طلب ذلك تعريضا من أبيها بما يتناسب مع حياء البكر.
في زمن تُسلّع فيه النساء في سوق المهور، وتصبح المادة من مؤهلات القبول فيصبح غلاء المهر دلالة على غلاء القدر تعود الذاكرة الى زمن كان مهر عصمت الدين خاتون ابنة الأمير معين الدين أنر هو وحدة الشام ووأد الخلافات بين والدها وزوجها، وحدة كانت احدى خطوات تحرير بيت المقدس الذي أتمه زوجها الثاني صلاح الدين الأيوبي في زمن يصبح المال أصل من لا أصل ونسب من لا نسب له تعود الذاكرة الى زمن كان النسب فيه نسب التقوى الذي جعل سعيد بن المسيب يرفض مصاهرة عبد الملك بن مروان، ومهرا تحمله القوافل ما بين دمشق والمدينة، ويفضل على الوليد تلميذ تقي من تلاميذه قدم لابنته درهمين مهرا، وهي القصة التي خلدها الرافعي في كتابه وحي القلم بعنوان زواج بدرهمين، درهمان فقط كانا مهر ابنة فقيه المدينة التي شهد لها زوجها بوراثة علم وعقل وسماحة أبيها. في زمن ماتت فيه القيم وصار الغنى والإثراء غاية المنى مهما انحدرت الوسيلة تعود الذاكرة الى زمن كان المهر الذي قدمه أحد الصالحين الى زوجته ابنة التاجر الذي كان يعمل عنده رمانة أمانة، فقد كان يعمل ناظرا في مزرعة أبيها، فلما طلب منه أن يحضر له رمانا ليأكل منه فإذا هو حامض فاعترض عليه التاجر انه لا يعرف الرمان الحامض من الحلو، فأجابه الرجل الصالح انه عينه للحراسة ولم يأذن له بتذوقها، فأدرك الأب التاجر أن من يحفظ أمانة الرمان سيحفظ أمانة ابنته، فأنجب مهر الرمان الفقيه المحدث عبد الله بن المبارك. مهر الرمان وجد مثيلا له في مهر التفاحة، تفاحة أكلها تقي مر ببستان على جوع وتعب، ثم وخزته نفسه اللوامة فذهب ليخبر صاحب البستان ويطلب عفوه، فأبى صاحب البستان أن يعفو عنه الا إذا تزوج ابنته العمياء الصماء البكماء، ورضي الرجل بالتضحية تكفيرا عن ذنبه، فلما تزوجها وجدها أجمل وأكمل النساء عمياء عن النظر الى ما حرم الله، صماء عن الاستماع الى ما يغضب الله، بكماء عن الحديث في المحرمات، مهر تفاحة التقوى هذا أخرج الى الدنيا الامام أبا حنيفة النعمان فكانت ذرية بعضها من بعض، وكانت مقدمات الخير تستوجب نتائج القبول والبركة من الله. في زمن تتباعد فيه العائلات ويسلب الزوج المرأة من أهلها، وتسلبه هي من أهله تعود الذاكرة الى زمن كان المهر وحسن المصاهرة يعم فضله العائلة كلها فنجد أن مهر أمنا جويرية بنت الحارث رضي الله عنها كان فداء أهلها من الاسرى في غزوة بني المصطلق، فكان زواجها يمنا وفضلا على أهلها جميعا وصفحة بيضاء في تاريخ الرسالة النبوية والحياة الزوجية. ولأن الخير باق في أمة محمد الى يوم الدين تأبى أمثلة التاريخ الا أن تجد لها صدى في نفوس مترفعة وقامات دونها الجبال في ديما عايدية التي كان مهرها تضحية الصحفي الغزاوي مؤمن الذي فقد رجليه بقنبلة انفجرت فيه أثناء تغطيته للحرب على غزة. رجلاه المبتورتان وقلبه الصامد المستبشر كانوا جواز المرور الى قلب ديما حفيدة فاطمة الزهراء التي تزوجت علي بن أبي طالب، فقير بني هاشم في حسابات المال والدنيا، وقبلت بمهر كان درعا غنمه سيدنا علي في بدر، لكن المهر الحقيقي والمكسب الوحيد كان سيدنا عليا نفسه، كانت مؤهلاته ومهره هو ما وصف به نفسه صدقا وشعرا:
محمد النبي أخي وصهري وحمزة سيد الشهداء عمي
و جعفر الذي يضحى ويمسي يطير مع الملائكة ابن أمي
فلما تزوج الزهراء زاد الفضل أفضالا فأكمل:
وبنت محمد سكني وعرسي مشوب لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها فمن منكم له سهم كسهمي
في قصة إيمان ووائل أيضا كان مهر إيمان صمود غزة وانتصارها، فوافق الأب الذي كان رافضا زواجهما قبل الحرب وذهابها لغزة وزفها بنفسه الى زوجها وائل عبر أنفاق غزة وقال لها مع وائل وأهل غزة لا خوف ولا حزن عليك.
قيل أن رجلا أراد أن يزوج ابنته، فاستشار صاحبا له فقال له: إن الفرس كانوا يزوجون على المال، والروم على الجمال، والعرب على الحسب، وسيدنا محمد كان يختار الدين فانظر لنفسك بمن تقتدي.
هناك الكثيرات من النساء ممن يرضين بمهر السيدة فاطمة ولكن أين الرجال مثل سيدنا علي ممن يستحقون بذل النفس والنفيس من أجلهم؟؟ أيها الرجال كونوا مثل علي تجدون مثل فاطمة فإن من يتق الله يرزقه من حيث لا يحتسب والطيبات للطيبين وكيفما تكونوا تكن نساؤكم.
د. ديمة طارق طهبوب