يأجوج ومأجوج والبراكين
جاء ذكر سد يأجوج و مأجوج في سورة الكهف ولقد وجدت فيها حقائق علمية تخص علم و هندسة السدود . في المقابل وجدت قصص عدة عن يأجوج و مأجوج لم تتطرق لهذه الحقائق و حتى لا أطيل فلن أتطرق لهذه القصص لا بالســرد أو النقــد , و ما أطرحه في هذا البحث هي قراءة موضوعية لقصة يأجوج ومأجوج , مستعينا بما ورد في القرآن الكريم و الأحاديث الشريفة.
القصة كما نعرفها أنه أتى الرسول محمد صلى الله عليه نفر من أهل الكتاب و سألوه عن أشياء منها " ملك جال الأرض " لم يكن سؤالهم للاستفسار فلقد كان لديهم علم ومعرفة ببعض أخبار ذلك الملك حسب ما لديهم من علم الكتاب و قصص الأولين , أراود بسؤالهم اختبار نبوته صلى الله علية و سلم حيث أنهم موقنين بعدم معرفة أهل الصحراء بهذه القصة, سؤالهم مختصر ولم يذكروا اسم ذلك الملك , و نعلم أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن لدية أي معرفة بقصة ذلك الملك إلى أن جاءه الوحي الأمين من عند الله بآيات تجيبهم عن سؤالهم بشكل مختصر و دقيق و بتفاصيل تؤكد صدق القرءان و أنه من عند الله العليم الخبير. فلقد جاءت الآيات موضحة أن من يسألون عنة هو " ذو القرنين", لقد ورد في الآيات عدة حقائق و يمكن تصنيفها كالأتي:
1- حقائق تاريخية و جغرافية بأن ذكرت اسم ذلك الملك و هو "ذو القرنين" ثم وصفت حدود مملكته و تضاريسها, و رحلته التي قام بها لتفقد مملكته و النهج الذي سلكه لحكم مملكته.
2- حقائق هندسية بأن وصفت مكان السد و طبيعته و طريقة بناء السد و المواد المستخدمة و طرق انهيار السدود و كيفية انهيار سد ذو القرنين.
3- إعطاء دلالة أن السد مازال موجود و أن في انهياره علامة من علامات نهاية الحياة الدنيا.
4- أن قصة ذو القرنين و بناءه السد ليست فقط للاعتبار لحدث قد انتهى بل لابد من أن نستشعر أن للقصة نهاية تبدأ بانهيار السد و أن في ذلك اقتراب للوعد الحق . و كلمة "وعد" تشير لوجود نبوءة و كلمة "حق" تعني أنها سوف تحدث و تتحقق لا محالة. و هذا الكلام ليس للقصص بل فيه و عد من عند الله الخالق البصير العليم .
قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ ذِكْراً (83) إِنّا مَكّنّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلّ شَيْءٍ سَبَباً (84) فَأَتْبَعَ سَبَباً (85) حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّآ أَن تُعَذّبَ وَإِمّآ أَن تَتّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً (86) قَالَ أَمّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذّبُهُ ثُمّ يُرَدّ إِلَىَ رَبّهِ فَيُعَذّبُهُ عَذَاباً نّكْراً (87) وَأَمّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَآءً الْحُسْنَىَ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً (88) ثُمّ أَتْبَعَ سَبَباً (89) حَتّىَ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىَ قَوْمٍ لّمْ نَجْعَل لّهُمْ مّن دُونِهَا سِتْراً (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً (91) ثُمّ أَتْبَعَ سَبَباً (92) حَتّىَ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السّدّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً (93) قَالُواْ يَذَا الْقَرْنَيْنِ إِنّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَىَ أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّا (94) قَالَ مَا مَكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتّىَ إِذَا سَاوَىَ بَيْنَ الصّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُواْ حَتّىَ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيَ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطَاعُوَاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْباً (97) قَالَ هَـَذَا رَحْمَةٌ مّن رّبّي فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ رَبّي جَعَلَهُ دَكّآءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبّي حَقّاً (98) وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً (99) وَعَرَضْنَا جَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ لّلْكَافِرِينَ عَرْضاً (100) الّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَآءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُواْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (101) أَفَحَسِبَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن يَتّخِذُواْ عِبَادِي مِن دُونِيَ أَوْلِيَآءَ إِنّآ أَعْتَدْنَا جَهَنّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الّذِينَ ضَلّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُوْلَـَئِكَ الّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَاتّخَذُوَاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106)) [سورة: الكهف ]
وقال تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَىَ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ (95) حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مّن كُلّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الّذِينَ كَفَرُواْ يَوَيْلَنَا قَدْ كُنّا فِي غَفْلَةٍ مّنْ هَـَذَا بَلْ كُنّا ظَالِمِينَ (97) إِنّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)) [سورة: الأنبياء ]
تخبرنا الآيات أن الله مكن لذا القرنين في الأرض وأتاه من كل شيء سببا, كلمة "مكن" تعني أن تلك الأرض صارت ملك و تحت سلطة و سيطرة ذو القرنين. وكلمه "الأرض" في الآيات معرفة بالألف واللام وهذا يعطي دلالة على أن الأرض التي تمكن فيها ذو القرنين , منطقة محددة وصف القرءان حدودها الغربية و الشرقية - دعنا نسمي هذه الأرض "مملكة ذو القرنين" . بعد تمكن ذو القرنين من الحكم قام برحلة تفقدية لمملكته , ذهب ذو القرنين إلى أقصى غرب هذه المملكة وهي منطقة ساحلية (مدينة قديمة) مأهولة بالسكان حيث تغرب الشمس في عين حمئة (بحيرة كبيرة مياهها ساخنة أو طينية وحلة) و لقد أرشد الله ذا القرنين بطريقة الحكم و في ذلك دلالة أن ذو القرنين كان ملك و نبي فلقـد بعث لهؤلاء القوم بأوامر الله و نواهيه و لقد أقام هناك فترة من الزمان وطبق حكم الله العادل في سكانها .و في أقصى شرق المملكة يوجد ساحل مأهول بالسكان و هي منطقة مفتوحة (سهل كبير أو صحراء) حيث لا توجد تضاريس طبيعية مثل الجبال تظلهم من الشمس ويجوز أن تكون تلك المنطقة ساحل بحيرة كبيرة فيها مياه عذبة حيث تصلح للسكن و الزراعة و الرعي. و بين هاتين المنطقتين هناك منطقة ثالثة مأهولة بالسكان عند السدين ( و نرى هنا أن السدين أتيا معرفين بالألف و اللام وفي ذلك دلالة على قدم هذين السدين و شهرتهما في عصره أو أنهما مميزان , يحتمل أن يكون هذين السدين طبيعيان كأن يكونا جبلين بينهما وادي أو يكونا من صنع البشر ) يوجد خلف هذين السدين قوما ليسوا فصحاء ولغتهم فقيرة من المرادفات و لسانهم غير مبين (لا يكادوا يفقهون قولا) وأشتكى هؤلاء القوم لذا القرنين من أن يأجوج ومأجوج مفـسدون في الأرض . ونقف هنا ونسأل لماذا أخبرنا الله بأن هؤلاء القوم (لايكادوا يفقهون قولاً) هذا يعني إن لغتهم ضعيفة لذلك فعندما يريدون الأخبار عن الشيء الذي يفسد أرضهم يصفونه بأنه يأجوج ومأجوج , فمن هم يأجوج و مأجوج ؟ هذا سؤال هام لان في خروجهم علامة من علامات الساعة. يقال أنهم بشر أو كائنات شرسة ! و يقال أنهم فقط رمز للشر ! و لكن علمهم عند الله .
السؤال الآخر هل أخبرنا القرءان بأنهم بشر أو كائنات ؟ هل أخبرنا رسولنا الصادق الأمين بأنهم بشــر أو كائنات؟ نرى في الآيات ذكر كلمة "قوم" جاءت لوصف السكان في الغرب و الشرق و من هم دون السدين أما يأجوج و مأجوج فلقد وصفوا بأنهم مفسدون في الأرض و لم يشر القران أنهم "قوم" . ماذا يحتمل هــذا ؟ . الإجابة: يحتمل أنهم ليسوا بشــر. لقد وصف سكان تلك المنطقة الشيء الذي يفسد أرضهم بأنة يأجوج و مأجوج . من الغريب أن نجد اقتران هاتين الكلمتين سويا لوصف ذلك الشيء المفسد فهو ليس فقط "يأجوج" أو "مأجوج" بل لابد أن نذكر الكلمتين معا في أي موضع بأن يقال " يأجوج و مأجوج" . بحثت عن أصل هاتين الكلمتين في كتاب لسان العرب للعلامة بن منظور فوجدت التالي :
" أجج: الأَجِيجُ: تَلَهُّبُ النار. ابن سيده: الأَجَّةُ والأَجِيجُ صوت النار , ويأْجُوجُ ومأْجُوجُ: قبليتان من خلق الله، جاءَت القراءَة فيهما بهمز وغير همز. وهما اسمان أَعجميان، واشتقاقُ مثلهما من كلام العرب يخرج من أَجَّتِ النارُ، ومن الماء الأُجاج، وهو الشديد الملوحة، المُحْرِقُ من ملوحته؛ قال: ويكون التقدير في يأْجُوجَ يَفْعول، وفي مأْجوج مفعول، كأَنه من أَجِيج النار.؛ قال: ويجوز أَن يكون يأْجوج فاعولاً، وكذلك مأْجوج؛ قال: وهذا لو كان الاسمان عربيين، لكان هذا اشتقاقَهما، فأَمَّا الأَعْجَمِيَّةُ فلا تُشْتَقُّ من العربية؛ ومن لم يهمز، وجعل الأَلفين زائدتين يقول: ياجوج من يَجَجْتُ، وماجوج من مَجَجْتُ، وهما غير مصروفين "
أشار أبن منظور لشئ هام و هو أن هذين اللفظين هما مشتقان من النار في اللغة العربية أو المياه المالحة و لكن متأثرا بأنهم قومان ذكر أنهما اسمان أعجمين. فماذا لو لم يكونا قومان؟ ثم لأن القرءان جاء بلسان عربي مبين و في ذلك دلالة على أن ما جاء في القرءان هو بلسان العرب و ليس نقل لما قاله هؤلاء القوم مباشرة. ثم إن العديد من الكلمات العجمية أصلها عربي . لذا يحتمل أن يكون يأجوج ومأجوج هي كلمتين وصف بهما هؤلاء القوم إما حمم البراكين التي تأكل بعضها و التي تفسد في الأرض أو المياه شديدة الملوحة أو الاثنين معا , و في السطور التالية أذكر بعض الأدلة التي ترجح صحة هذه الفرضية و التي أشار إليها المعنى اللفظي.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَىَ كَثِيرٍ مّمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [سورة: الإسراء - الآية: 70] . هل يعقل أن يخلق الله من بني ادم أقوام فقط للإفساد و لم يتغير طبع أو اسم هؤلاء القوم منذ آلاف السنين و كيف يتفق هذا مع ما جاء في تعاليم الإسلام أن لا فرق بين الأمم بالمولد أو الأصل بل بالعمل و تقوى الله. و نتذكر عكرمة بن أبي جهل , و غيرة الكثير , هل يشترط أن يكون الابن مثل الأب أو العكس. أن تكون أمه ما صالحة بالكامل أو فاسدة بالكامل منذ المولد ليست فكرة إسلامية و نعلم أنها موجودة عند الغير. و هذا يرجح أن لا يكون يأجوج و مأجوج من البشر.
أن الأقوام في شرق و غرب مملكة ذو القرنين لم يشتكوا من أن يأجوج و مأجوج يفسدون في أرضهم , مع أنهم يعيشون في نفس الفترة الزمنية , و هذا يؤكد أن إفساد يأجوج و مأجوج لم يكن عام بل أقتصر فقط على الأرض خلف السدين. و لم نسمع عبر التاريخ عن أقوام مقاتلين شرسين و عددهم كبير يكتفون فقط بإفساد منطقة محددة من الأرض.
لم يكن الشيء المفسد موجود طيلة السنة . كان خروج المفسدون على فترات, الأرض تكون صالحة فيأتي المفسد في فترة معينة من السنة يفسد جزء من الأرض ثم يزول ذلك المفسد و يقوم أهل تلك المنطقة بإصلاح ما فسد و تستمر الحياة , و منطقيا لا تصلح الأرض للسكن لو كان المفسدون فيها طول السنة لرآهم ذو القرنين . كذلك, إن كان المفسدون موجدون فتـرة تشــيد ذو القــرنين الســد لأعاقوا عملية التشـييد و التي لابــد و أنها استغرقت وقت طويل نظرا لضخامة السد.
نرجع للقوم الذين اشتكوا من أن يأجوج ومأجوج مفسدون في أرضهم ماذا طلبوا من ذا القرنين؟. لقد طلبوا بناء "سد" بينهم و بين ذلك المفســد و في هذا تأكيد أن المفسدون ليسو بشر وإلا لطلبوا أن يخلصهم بأي وسيلة أخرى بالقتال مثلاً. ثم و لأن ذو القرنين نبي من أنبياء الله فلماذا لم يحاول ذو القرنين هداية يأجوج و مأجوج لتعاليم الله أو يعاقب الضالون منهم كما فعل مع أهل مملكته في الغرب و الشرق , هذا يؤكد أن المفسدون ليسو من البشر. لا يختلف أثنين أن السدود استخدمت وما زالت لغرض حجز السوائل أو ما شابه من متدحرج أو منساب و ليس لحجز البشر وخصوصًا أن البشر تستطيع التسلق أو الدوران من جهات أخرى. و أن البشر منذ القدم استخدموا الحبال و السلالم و صنعوا الكثير من الأدوات التي احتاجوها لتسير أمور حياتهم مثل القتال و الصيد و خلافة. لذا لن يكون السد حماية من دون حراسة و لم تشــر الآيات لأي نوع من الحراسة لهذا الســد بل أنة بعــد بنائه كان في ذلك رحمة من عند الله فلقد وفر حماية للقـوم خلف السـد من الفساد الذي كان يلحق بهم و يستمر ذلك حتى يقترب الوعــد الحق و عندها يجعله الله دكاء و يرجع ذلك الشيء المفســد للإفساد مرة أخرى و لكن بشــكل أشــد و أعنف و بقوة تدميرية هائلة و ذلك حسب و صف الآيات. تنشأ السدود و منذ القدم لأغراض عدة أهما للخزن أو الحماية و الواضح أن سد ذو القرنين هو سد حماية.
سؤال آخر , هل كان سد يأجوج و مأجوج سد حقيقي ؟. الإجابة نعم كان سد حقيقي بدليل وصف القرآن لطريقة بناء السد حيث أنه من سدود الحماية الترابية (ردم) " فَأَعِينُونِي بِقُوّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً" و لقد بني بين الصدفين ( جوانب السدين) , له قلب صلب و غير منفذ من الحديد والنحاس , و لكن كيف بنى ذو القرنين السد؟ هذا سؤال فني حساس و لقد وصف القرءان الطريقة بشكل واضح مختصر , فكيف كانت..!
قبل شرحها نود الإشارة أنه عادة عند صهر أي معدن يوضع في بوتقة حرارية توقد عليها حرارة عالية و ترتفع درجة حرارة المعدن في البوتقة حتى تصل لدرجة الانصهار فينصهر المعدن و يصبح سائل القوام فـإذا سكب فسوف ينساب المعدن المنصهر مع الجاذبية الأرضية و يتشكل حسب الظروف التي و ضع فيها من حرارة و محيط. و لو تخيلنا كيف يمكن لذو القرنين أن يشيد هذا السد الضخم و كيف يمكنه صهر الحديد و النحاس ( درجة انصهار للحديد هي 1537 والنحاس 1084.5 درجة مئوية) و صب جـدار أملس عمودي قائم من المعدن المنصهر!. تغلب ذو القرنين على هذه المشكلة الفنية بطريقة و صفها لنا القرءان:
قال تعالى "قَالَ مَا مَكّنّي فِيهِ رَبّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتّىَ إِذَا سَاوَىَ بَيْنَ الصّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُواْ حَتّىَ إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِيَ أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) " [سورة: الكهف ]
و بتتبع ألفاظ الآيات جيدا نرى أن ذو القرنين أنجز عملة حسب الخطوات التالية:
أولا: ردم ذو القرنين جسم السد و المتكون من ثلاث أجزاء , ردم أمامي و ردم خلفي و في الوسط بين الـردم الأمامي و الردم الخلفي وضع زبر الحديد ( حجارة تحوي خام الحديد) و معها مادة قابلة للاشتعال و ترك في الردم فتحات للتهوية تساعد في دخول الهواء اللازم لعملية الحرق. و لقد ردم هذه الأجزاء على طبقات إلى إن ساوى القمة بالكامل مع السدين المجاورين (كلمتي "حتى" و "ساوى" تدلان على الاسترسال في الردم و مساواته في طبقات). و جمع القطر (النحاس) و جهز وسيلة تساعد لنقل النحاس لأعلى الردم.
ثانيا: أمر بإضرام النار في الحديد الخام و المادة القابلة للاشتعال و ساعدت الفتحات في إيصال الهواء اللازم للحرق عن طريق النفخ, و انتظر حتى انصهر الحديد.
أخيرا: أفرغ النحاس على الحديد المنصهر , و يكتسب النحاس من حرارة الحديد و يبدأ في الانصهار و الحديد يفقد حرارة و يبدأ يتصلب و لأن درجة حرارة انصهار النحاس أقل فإن الحديد يتصلب أولا , و يقوم النحاس بتعبئة الفراغات الباقية و عندما يتصلب النحاس يصبح قلب السد قوي و غير منفذ أما جوانبه فملتصقة بالسدين القديمين أما من الأمام و الخلف فهو من الردم. لقد شكل جسم السد على هيئة بوتقة كبيرة من الردم الأمامي و الردم الخلفي و في الجوانب كان الجبلين. و صهر المعدن في الوسط يجعل قلب السد ثابت و غير منفذ. السد كما أتخيله كأي سد ترابي , القاعدة عريضة في الأسفل و يقل العرض حتى يصل إلى ممر ضيق عند القمة. و تسلق هذا السد من الأمام أو الخلف ليس بالأمر الصعب على البشر أو الكائنات الحية . أما السوائل كالمياه مثلا فيكون السد حاجز لها و لا تتسرب من جهة لأخرى بل تتجمع في اتجاه واحد فقط فذو القرنين لم يعمل أي منشأ هيدروليكي يسمح بانتقال المياه من جهة لأخرى. فالسد كان سد ترابي لغرض الحماية من شيء سائل.
و نستدل أن منطقة بناء الســد غنية بالمواد الخام التي استخدمت لبناء السـد ( الحديد و النحاس و مواد قابلة للاشتعال ), كذلك سكان تلك المنطقة كانوا أغنياء و يعيشون في رخاء فلقد طلبوا من ذو القرنين أن يبني لهم سدا مقابل خرجا. و كذلك كان هؤلاء القوم أقوياء و عددهم كبير (القوة البشرية تقاس بالعدد) فلقد طلب منهم ذو القرنين أن يعينوه بقوتهم لبناء السـد.
وهناك إعجاز أخر بأن وصف المولى عز وجل ثبات ذلك السد وعدم انهيار" فَمَا اسْطَاعُوَاْ أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْب " وهذا هو وصف لأهم طريقتين لانهيار أي سد ترابي (سـد مكون من ردم) بسبب المياه المحجوزة خلف السد حيث أنه في نظريات انهيار السدود ينهار السد إما بالتظهير أو النقب كالتالي:
في الطريقة الأولى ترتفع المياه المحجوزة خلف السد حتى تعلو قمة السد وتتدفق أعلى منه وتهبط من الجهة الأخرى بشدة تؤدى إلى تأكل جسم السد تم انهياره . و هذا ما و صفته الآيات " فَمَا اسْطَاعُوَاْ أَن يَظْهَرُوهُ "
في الطريقة الثانية يحدث تسرب في جسم السد يكون ثقب أو فتحة صغيرة ومع التسرب يحدث أتساع في هذه الفتحة وتأكل في الردم المحيط بالفتحة وتكبر هذه الفتحة إلى أن ينهار السد. و هذا ما و صفته الآيات " وَمَا اسْتَطَاعُواْ لَهُ نَقْب "
ونرى التطابق ما بين هذين الطريقتين تمامًا مع ما ورد في النص القرآني و لقد لاحظ اللغويون الفرق ما بين استخدام الكلمتين "اسطاعوا" و "استطاعوا" و أن الكلمة الأولى فيها سهولة الفعل و هو التظهير و الثانية فيها صعوبة الفعل و هو النقب و هذا فعلا أيضا صحيح فالانهيار بالطريقة الأولى يكون أسرع من الثانية و لو تكلمنا عن المياه فنقول أن نقب المياه للسد أصعب من تظهره . و هذا يعطينا مؤشـر بأن السد الذي بناه ذو القرنين يحجز خلفه سائل.
و لكن كيف سينهار الســد ؟. أتى النص القرءاني بوصف سبب الانهيار ويكون ذلك عندما يفتح يأجوج و مأجوج .نرى هنا طريقة أخرى تسبب انهيار السدود تنتج بسبب تكون شروخ أسفل أو في أكتاف الســد و الناتجة بسبب حركة الأرض أسفل أو بجوار الســد و يكون ذلك لأسباب عدة منها الهزات الأرضية أو الشروخ الناتجة عن حركة طبقات الأرض. و يحصر العلماء في العصر الحديث الكثير من هذه الشــروخ, و الشرخ هو انفتاح و هذا مطابق تماما النص القرءاني " حَتّىَ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ " .لكن ماذا لو انهار السد ؟. هناك الكثير من السدود تنهار في مختلف بقاع الأرض وتسبب خسائر , لكن سد يأجوج ومأجوج يختلف فهو مع علامات الساعة وسوف يحدث دمار عظيم يتبع انهيار هذا السد فلماذا؟.
ألفاظ الآيات دقيقة و تصف ما بعد انهيار السد, نرى كلمة يموج في قوله تعالى " وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ." هذا يؤكد أن انهيار السـد حقيقي و أنه يحجز سائل حيث يتبع انهيار السدود موجات عاتية تدمر بعنف. أما كلمة "حدب " فلقد جاءت في لسان العرب كما يلي:
"الحَدَبُ: الغِلَظُ من الأَرض في ارْتِفاع، والجمع الحِدابُ . والحَدَبةُ: ما أَشْرَفَ مِن الأَرض، وغَلُظَ وارْتَفَعَ، ولا تكون الحَدَبةُ إِلاَّ في قُفٍّ أَو غِلَظِ أَرضٍ، وفي قصيد كعب بن زهير : يَوْماً تَظَلُّ حِدابُ الأَرضِ يَرْفَعُها، * من اللَّوامِعِ، تَخْلِيطٌ وتَزيِيلُ وحَدَبُ الماءِ: مَوْجُه؛ وقيل: هو تراكُبُه في جَرْيهِ. الأَزهري : حَدَبُ الماءِ: ما ارْتَفَع مِن أَمْواجِه. قال العجاج : نَسْجَ الشَّمالِ حَدَبَ الغَدِيرِ "
نرى الحدب يصح أن يكون أعلى الموجة (مقوس), و يصح أن يكون الأرض المرتفعة بشكل مقوس (حدب). في المعنى الأول يتفق ذلك مع ما يحدث بعد الانهيار حيث تكون الأمواج عالية. و المعنى الثاني يصف انسلال الصخور المنصهرة أو المياه المالحة من الأراضي المرتفعة و هذا يحدث عند فوران البراكين أو انفجار المياه من الآبار المعدنية و المحتوية على مياه شديدة الملوحة و المرتفعة الحرارة أحيانا. و نتذكر قصة سيدنا نوح مع قومه و كيف غطت المياه اليابسة و علت الجبال و أخيرا أمر الله الأرض بأن تبلع ماءها, فكان و ظهرت اليابسة من جديد. فماذا لو أمر الله الأرض بأن تخرج أثقالها (من مياه و حمم الصخور المنصهرة). إن أراد الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون , و لقد جعل الله لكل شئ سببا.
يستطيع العلماء الان توقع حدوث ما يسمى بالكوارث و سمعنا عن بعضها كأن ترتفع مياه البحار المالحة و تغطي معظم اليابسة , و كأن تنفجر البراكين في أماكن كثيرة من العالم ..... و صدق الله العظيم في قولة تعالى: " (أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ [27] وَمِنَ النّاسِ وَالدّوَآبّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [28]) [سورة: فاطر]
مما سبق نلخص التالي : كان في القدم لذا القرنين مملكة حدها في الغرب عين حمئة و من الشرق ساحل سهلي .و كان هناك سدين (في الأغلب جبلين بينهما وادي) قام ذو القرنين ببناء سد بين صدفتي الجبلين . بالقرب من مكان الســد هناك الكثير من المواد الخام و المعادن ( حديد و نحاس و فحم). أن الســد هو ســد حماية ترابي (لذلك يختلف شكله و مكوناته عن الجبلين بجواره) . و انه بني بشكل جيد بحيث أنه لن ينهار نتيجة التظهير أو النقب. و أن انهياره يكون بانفتاح شرخ كبير. و بعد الانهيار سوف تحدث الأمواج دمار كبير و يتبع ذلك دمار واسع في أماكن عدة كأن تعم الزلازل و البراكين و هبوط الأراضي و التشققات و خروج المياه المالحة المفسدة. و يكون ذلك من علامات نهاية الحياة الدنيا. أما يأجوج و مأجوج ففي الأغلب ليسوا بشر و لغويا هم إما الصخور السائلة الملتهبة التي تأكل و تدمر ما في طريقها و تأكل بعضها و إما أن تكون المياه شديدة الملوحة و المحجوزة خلف الســد, و يحتمل أن يكونا الاثنين معا فصفة الإفســاد في الأرض تنطبق على المياه المالحة و على البراكين. و هذه قصة حقيقية و نبوءة حقيقية . و هكذا دوما تكون النبوءات التي يبينها الله للبشر فالمولى عز و جل يعطي الإطار العام للنبوءة و تترك بيان التفاصيل لوقتها و الأمثال عن ذلك في جميع الكتب السماوية كثيرة. فالكثير من الأنبياء و الأحداث كان لأهل الكتاب ( الديانات السماوية ) نبوءة بها قبل حدوثها. و في ذلك اختبار لإيمان و ثبات و تصديق الناس لما جاءت به الكتب السماوية.
و لكن ماذا أخبرنا رسولنا الحبيب عن هذه النبوءة ؟ وجدت فقط خمس أحاديث منها أربعة مكررة عند عدة رواة الأحاديث و هذا يعطيها قوة سند فبعلمنا أن الصحابة كانوا بشغف لسماع كل ما يخبرنا به رسولنا الحبيب و يتناقلون كل ما يقول أو يفعل و انه دائما كان محاط بالصحابة , و تعدد رواية حديث معين يؤكد صحته . أما الأحاديث القليلة الرواية و الطويلة السند و التي تحوى العديد من الكلمات فتحتمل في تنقلها من شخص لآخر أن يختلف ألفاظها حسب فهم الراوي للمعاني التي يحويها الحديث و ربما جاءتنا بنفس المعنى لكن بكلمات مغايرة لما لفظه رسولنا الحبيب و نعلم أن حفظ اللفظ ينفرد به القرءان الكريم. عليه و في بحثي عن أحاديث رسولنا الحبيب أورد الأحاديث الأربعة أما الحديث الخامس فبالرغم من أن بعض ما جاء فيه يؤكد فرضيتي إلا لأنني و جدت فيه طول و ذلك يوحي بأن يكون قد قاله رسولنا الحبيب في جمع من الصحابة وأن لا يخص به أحد, و مع ذلك لم أجد تكرار لهذا الحديث عند رواة الأحاديث مقارنة بالأحاديث الأربعة الأخرى :
الحديث الأول: "حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْيَةَ. حدّثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيَبةَ، عَنْ أُمَِّ حَبِيَبةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ؛ أَنَّهَا قَالَتِ: اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مِنْ نَوْمِهِ، وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، وَهُوَ يَقُولُ (لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ. وَيْلٌ لْلِعَرَبِ مِنْ شَرٍّ اْقَتَربَ. فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) وَعَقَدَ بِيَدَيْهِ عَشَرَةً. قَالَتْ زَيْنَبُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ (إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ )"
الحديث الثاني: " عن هِشَامُ بْنُ عَمَّارِ. حدّثنا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ. حدّثنا ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ خُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّهُ سَمِعَ النَّوَّاسَ بْنَ سَمْعَانَ يَقُولُ: قَالَ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ( سَيُوقِدُ الْمُسْلِمُونَ، مِنْ قِسِيِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَنُشَّابِهِمْ وَأَتْرِسَتِهِمْ، سَبْعَ سِنِينَ ."
الحديث الثالث : "حدثنا أحمد: حدثنا أبي: حدثنا إبراهيم، عن الحجاج بن حجاج، عن قتادة، عن عبد الله بن أبي عتبة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج). "
الحديث الرابع : "حدثني إسحاق بن نصر: حدثنا أبو أسامة، عن الأعمش: حدثنا أبو صالح، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد). قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الواحد؟ قال: (أبشروا، فإن منكم رجلا ومن يأجوج ومأجوج ألفا. ثم قال: والذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة). فكبرنا، فقال: (ما أنتم في الناس إلا كالشعرة السوداء في جلد ثور أبيض، أو كشعرة بيضاء في جلد ثور أسود . "
نرى من خلال هذه الأحاديث المروية عنة صلى الله عليه و سلم. عدة نقاط هامة:
1- أنه صلى الله عليه و سلم استخدم لفظ "يأجوج و يأجوج" و هو نفس اللفظ المستخدم في القرءان و لم يستخدم أي لفظ يدل على أنهم بشر مثل "قوم" أو "جنود" أو أي لفظ يدل على أنهم من الكائنات الحية.
2- من علامات نبوة محمد صلى الله علية و سلم أن رؤياه كانت صادقة, و كانت تتحقق و عرف برباطة الجأش و الثبات على الحق و لم يكن لأي قوم أن يفزعوه أو يثنوه عن الدعوة للإسلام و نعلم فيما وردنا أنه صلى الله عليه و سلم جاءته رؤيا قبل غزوة أحد, علم منها أن عدد كبير من الصحابة سوف يقتل في هذه الغزوة و مع ذلك لم يتردد و لم يخف و لم يفزع من ملاقاة الغزاة. و نعلم أنه صلى الله عليه و سلم كان يحتسب و يستعيذ من الريح أو المطر... و كل ما كان فيه هلاك و عذاب لمن كفر من الأولين, لذلك فالأرجح أن ما أفزعة في منامه هو انفتاح الردم الذي يحجز هؤلاء المفسدون " يأجوج و مأجوج" و أنهما ليسا من البشر بل من الكوارث الطبيعية . و أنه صلى الله عليه وسلم يحذر و يذكر العرب من اقتراب تحقق تلك النبوءة حيث فتح في السد شرخ صغير .
3- نعلم أن نبينا محمد صلى الله علية و سلم هو خاتم المرسلين و أنه بعث للعالمين ( الإنس و الجن) و لو كان يأجوج و مأجوج من البشر لأرسل لهم يدعوهم للإسلام كما فعل مع القوى الكبرى في عصره و مهما كانت عظم تلك القوى فلقد كان حريص على توصيل الرسالة مهما عانى و تكبد من صعاب .
4- ذكر أن ويل للعرب من اقتراب حدوث النبوءة "خروج يأجوج و مأجوج" و هذا دليل على قرب الأرض التي بني فيها الســد من بلاد العرب (مع العلم أن السد بني في غير أرض العرب لأن هؤلاء القوم لديهم لغة فقيرة "لا يكادوا يفقهون قولا" و ربما كان في أطراف أرض العرب). إذن عند حدوث النبوءة في تلك الأرض سوف يلحق الضرر أيضا بأرض العرب. لفتة أخرى أن لفظ "الويل" تدل على شدة العذاب و الهلاك و يوجد واد في جهنم بهذا الاسم.
5- عندما سئل "أنهلك و فينا الصالحين " أجاب نعم إذا كثر الخبث. و في اللغة " أَصلُ الخُبْثِ في كلام العرب: المكروه؛ فإِن كان من الكلام، فهو الشَّتْم، وإن كان من المِلَل، فهو الكُفْر، وإِن كان من الطعام، فهو الحرام، وإِن كان من الشَّراب، فهو الضَّارُّ؛ ومنه قيل لما يُرْمَى من مَنْفِيِّ الحديد: الخَبَث؛ ومنه الحديث: إِن الحُمَّى تَنْفِي الذُّنوب، كما يَنْفِي الكِيرُ الخَبَث. وخَبَثُ الحديدِ والفضَّة، بفتح الخاء والباء: ما نَفاه الكِيرُ إِذا أُذِيبا، وهو لا خَيْرَ فيه، ويُكْنى به عن ذي البَطْنِ". و يصح أن يكون خبث البراكين أو الخبث التي تحمله الأمواج بعد الانهيار.
6- ذكر أنه سيوقد المسلمين من قسي يأجوج و مأجوج .... لمدة سبع سنين. و في ذلك تأكيد أن يأجوج و مأجوج هما حمم البراكين و أنها سوف تدوم ســبع سنين بعد انهيار الســد.
7- ذكر أنه سيحج بعد يأجوج و مأجوج و في ذلك دلالة على أن المولى عز و جل سوف يحفظ البيت الحرام من يأجوج و مأجوج أيا كانا حمم البراكين أو أمواج المياه المالحة ( و نعلم أن مكة محاطة بالجبال التي ستحميها بإذن الله من تلك الحمم ) و دلالة أخرى على بقاء الديانة الإسلامية و استمرار مناسك الحج بالرغم من الدمار الذي سوف يلحق بالمنطقة.
8- ذكر في بعث النار أن من الناس واحد و من يأجوج و مأجوج ألف. و نعلم أن حمم البراكين هي الحجارة المنصهرة قال تعالى: (يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ قُوَاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاّ يَعْصُونَ اللّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [سورة: التحريم - الأية: 6] . نرى توافق بين الآية و الحديث فلقد ذكرت الآية بأن نار الآخرة سوف يكون وقودها الناس و الحجارة . و أخبرنا الحديث أن نسبة الناس ليأجوج و مأجوج هي واحد من الناس و ألف من يأجوج و مأجوج . و لو صح أن يكون يأجوج و مأجوج هما حمم البراكين (الحجارة المنصهرة) فليس مستغرب وجودهما في جهنم حسب النسبة التي وضحها لنا الرسول الأمين. فالنار وقودها الناس و الحجارة.
9- لو صح أن يأجوج و مأجوج هما البراكين التي تلتهم كل ما في طريقها , فلماذا لم يخبر الرسول الصحابة بذلك؟. في إجابة ذلك و جهة نظر, نعلم أن الجزيرة العربية كانت و لم تزل يحدث بها الكثير من الهزات الأرضية فلو فصل و شرح الرسول النبوءة فلنتخيل حجم الذعر في سكان تلك المناطق عند حدوث أي هزه أرضية. ثم أنها نبوءة من علامات نهاية الحياة الدنيا و أنها لن تحدث في عهد الرسول و الصحابة. لذلك فإنه صلى الله علية و سلم اكتفى بأن يأجوج و مأجوج مفسدون و هما من علامات الساعة.
على ما سبق من الممكن أن نتخيل سيناريو لما سوف يحدث و لكن هذا سوف يكون مبني على فرضيات معينة و مدى صحة ذلك السيناريو يبقى في الميزان و الله العليم الخبير له الحكمة في إظهار بعض الأمور لنا أو إخفائها و له الحكم و الأمر و لا اعتراض.
و نحن أهل الديانات السماوية لدينا خبر من تلك النبوءة و لا أدرى تحديدا ماذا جاء عند أهل التوراة و الإنجيل عن تلك النبوءة ؟ و هل جاءت بنفس التفصيل الذي ورد في القرءان ؟. فسؤال نفر من أهل الكتاب للنبي محمد صلى الله علية و سلم عن "ملك جال الأرض" كان مفتاح لأن يبعث الله الوحي الأمين بأن يخبر نبينا محمد صلى الله عليه و سلم بقصة ذو القرنين و تكون لنا نبوءة و علامة من علامات الآخرة. و لقد وصفت الآيات مكان السد و هو في أرض غير العرب كانت في الماضي مملكة في غربها كانت مدن ساحلية تحكمها القوانين العادلة و دلالة تلك المدن أنها مقامة على ساحل بحيرة (مياهها ساخنة مصدر تلك المياه عيون حمئة أو تكون طينية). و في الشرق كان يوجد منطقة مفتوحة ( سهل كبير أو صحراء ) بجوار بحيرة, عاشت قبائل هناك على الزراعة أو الرعي. و بين هاتين المنطقتين كان هناك سدين (جبلين) و توجد منطقة غنية بالمواد الخام من معادن و الأخص الحديد و النحاس. كانت تعاني القبائل التي تعيش عند السدين من فساد كان يلحق بهم .... , و يستطيع الباحثون (من علماء آثار و مؤرخين و جيولوجيون و علماء تعدين و تصوير بالأقمار الصناعية) تحيد مكان سد يأجوج و مأجوج حيث أن تكوينه يختلف عن الأجزاء المحيطة به و يشكل مع السدين سد واحد مستمر و ضخم يحجز كمية هائلة من المياه ( بحيرة عظيمة تجمعت خلف سد يأجوج و مأجوج و ذلك بعد بناءة ) و من الجهة الأخرى للبحيرة هناك آثار لوادي قديم حيث سكن القوم سابقا خلف السدين , و يوجد أثر مجرى مائي كانت المياه تغمره فترة معينة من السنة قبل بناء الســد. و يحتمل أن يكون السد و البحيرة في مكان مرتفع شمال بلاد العرب ( أرض القوقاز) مع التذكر أن ذلك السد هو ردم ترابي قلبه حديد و نحاس و الجبلين المجاورين له تركيبهما الصخري يختلف عنه. و أنه غير في المعالم الطبيعية حوله مثل تكون تسريبات و بحيرة عظيمة خلفه.
أما لماذا في انهيار هذا السد سوف تحدث كوارث هائلة؟ فالإجابة في علم الغيب ؟. و للتقريب نقول : يحتمل أن يكون سد يأجوج ومأجوج مقام على منطقة ضعيفة من القشرة الأرضية و التي كان ينفذ منها المفسدون ( المياه المالحة الساخنة أو الحمم البركانية ) و التي كانت تفسد زرع و ممتلكات أهل تلك المنطقة و بعد إقامة السد تكونت بحيرة عظيمة وقوة السد ووزنه ووزن المياه المخزونة خلفه تصنع الاتزان مع الضغوط الهائلة في باطن الأرض وعند انهيار هذا السد يؤدي ذلك إلى إفراغ مياه البحيرة في زمن قصير و يسبب ذلك تولد موجات من المياه المالحة (المحجوزة خلفه) مدمرة ما في طريقها و بزوال وزن البحيرة يختل الاتزان وتجد الضغوط الهائلة في باطن الأرض متنفسها فتندفع بقوة هائلة وتنطلق البراكين بقوة فجائية و تنسل من المرتفعات ومن الشروخ الصخرية وهذه الفجائية سوف تسبب اختلال في طبقات القشرة الأرضية وتولد زلازل وبراكين مدمرة في أماكن عدة.............. يتبع.........................