عمر دادة عضو مميــز
الجنس : عدد المساهمات : 831 تاريخ التسجيل : 19/10/2009 الموقع : الجلفة العمل/الترفيه : أستاذ أدب عربي
| موضوع: ما كتبه نزار قباني في رثاء ابنه الأربعاء 26 مايو 2010 - 14:18 | |
| كان ولدي ..فصار ولدكم .. في العاشر من شهر آب , مات إبني توفيق في لندن . توقَّف قلبه عن العمل , كما يتوقف قلب طائر النورس عن الضرب , و هو على بُعد خطوتين من الشمس.. كان توفيق أميراً دمشقيَّاً جميلاً.. كان طويلاً كالزرافة , و شفَّافاً كالدمعة , و عالي الرأس كصواري المراكب . و كانت تتبعه إذا مشى , أزهار اللوتس , و شقائق النُّعمان , و غزالات الصحراء.
* * * * * * * * *
هل الموت , رجل أم هو امرأة ؟ لم أكن ناقش جنس الموت من قبل . و لكن بعد أن ذهب توفيق , بكل وسامته , و ملاحَتِه, وصورته اليُّوسُفية , تأكدت أن الموت امرأة.. ربطت خصلات شعره الأشقر بمنديلها الحريري .. و خطفته إلى بيتها قبل أن تخطفه واحدةٌ من بنات الأرض. فيا سيدتي التي تُخبِّئين ولدي في غرفة نومك التي ستائرها غمام , و شراشفها غمام , و مخدَّاتها غمام. لا اعتراض لي على زواج توفيق منكِ.. فأنا أبٌ عصريٌّ أحترم العشق , و أقف مع العُشَّاق في جميع معاركهم , و لكن من حقِّي_ كأب _ أن أعقد ربطة عنق توفيق في ليلة عرسه...
* * * * * * * *
إنني أنحني أمام رهافة ذوقِك , و روعة اختيارك , وليس في نيِّتي أن أذهب إلى المحاكم , و أقيم عليكِ الدعوى بتهمة اختطاف طالب في السَّنة الثالثة من كليَّة الطِّب . إنني أعرف سلفاً أن دعواي مردودة , و أن جميع القضاة في العالم _ إذا رأوا صورة توفيق معك _ حكموا لك بالبراءة .. و حكموا عليَّ بالصبر .. إنني أعرف سلفاً أنَّك لن تعيديه إلي ّ .. من ذا الذي يختطف ملكاً خُرافي الملامح مثل توفيق , و يرضى أن يعيده إلى العرش ؟
* * * * * * * *
كنت أتصوَّر أن موت ابني هو قضيَّةٌ خصوصيَّةٌ بيني و بينه .. لكن الذي حدث كذَّب جميع تصوُّراتي .فما إنْ خرج توفيق من بيتي حتى انفتحت أمامه أبواب جميع البيوت في العالم العربي. و ما إن ترك توفيق منزل الأبُوَّة , حتى صار له آلاف الآباء و الأمهات في كل مكانٍ من هذا الوطن العظيم . في دمشق أعطوه سريراً , و في لبنان كتبوه على أكواز الصنوبر و دفاتر الثلج , و في مصر أهدوه أغلى ما في خان الخليلي من مصاحف , و في بغداد أطعموه المنَّ و السلوى , و في السعوديَّة لفُّوه بعباءةٍ فيها شيءٌ من أنفاس الرسول , و في السودان قدَّموا له عروساً بلون النُّحاس و خشب الأبنوس , و في الأردن وضعوا حول عنقه طوقاً من ياسمين أريحا , و في الكويت و البحرين أهداه صيَّادوا اللؤلؤ أكبر لؤلؤةٍ وجدوها في أعماق البحر.
* * * * * * * *
آه .. ما أروع الموت بين العرب.. و مع العرب .. آه ما أروع الانتماء إلى القبيلة! إن موت توفيق أعادني بدوياً مغرقاً في بداوته , و ردَّني مرَّةً أخرى إلى بني هاشم , و بني تغلب, و بني مخزوم , و بني تميم , و بني شيبان, و كل أبناء العمومة و الخؤولة الذين يقتسمون معك حياتك , و يقتسمون موتك.. أما هناك.. أما في لندن .. فإن الموت إعلانٌ مدفوع الأجرة في جريدة "التايمز" , و الميِّت زجاجةُ حليبٍ فارغة مرمية في الشوارع الخلفيَّة.
* * * * * * * *
ممرِّضتك الاسبانية في السان جورج هوسبيتال في لندن تبكي بطريقتها الأندلسية ... و نحن نبكي عليك بطريقتنا العربية .. و الانكليز يتفرَّجون على دموعنا كما يتفرجون على نوافير الماء في البيكاديللي سيركس...
* * * * * * * *
يا ليتكم حضرتم عرس توفيق في دمشق. كل المآذن الدمشقية رفعت أعناقها لترى توفيق .. كل حمائم الجامع الأموي فرشت تحت رأسه أجنحتها البيضاء.. كل العصافير التي من عُمر توفيق . و التي وُلِدَت معه , و كبرت معه, و ذهبت إلى المدرسة معه... رافقت طائرته و هي تنزل...تنزل...تنزل كالدمعة على خدِّ دمشق...
* * * * * * * *
كنت كلَّما سألته عن قلبه, أخرَج قلماً أحمر .. و ورقة... و رسم لي قلبه بشكل وردةٍ جوريَّة. كان يَشرَح لي علَّتَه بعقلية الطَّبيب.. و كنت أعرف _ كشاعر_ أن عُمر الورود الجورِيِّ قصير...
* * * * * * * *
المكاتيب التي أرسَلَها توفيق من هناك .. و ألصق عليها طوابع تُمثِّل مشاهد من الجَنَّة ...تؤكِّد لي أنَّه بخير.. كل ما حدث أنه غيَّر محل إقامته ... كان في ضيافتي, فصار في ضيافتكم... كان ولَدي , فصار ولَدَكم. كان له سريرٌ بين أجفاني , فصار له سريرٌ بين أجفانكم. كان جواز سفرِه سوريَّاً , فصار جواز سفره عربيَّاً... | |
|
فايزه الامل عضو مجتهد
الجنس : عدد المساهمات : 592 تاريخ التسجيل : 10/10/2009
| موضوع: رد: ما كتبه نزار قباني في رثاء ابنه الخميس 27 مايو 2010 - 0:50 | |
| السلام عليكم و رحمه الله تعالى و بركاته
كلمات تنبع من الاعمــــــــــــــــــــــــــــاق ؟؟؟صدقني يا عمر فعلا هي مؤثره بل جد مؤثره و كأن نزار قباني يرثي العرب جميعا.... شكرا لك على حسن انتقائك جاء في وقته هذا الرثـــــــــــــاء كنت اود ان ابكي فلم استطع ؟؟الى ان قرات صفحتك فما ان وجدت دموعي تدرف من غير شعور ... لك مني تحيه خالصه من القلب فــــــــــــــــــــــــــايزه الامــــــــــــــــــــــــــل | |
|